التخفُّف
يسعى المتكلم إلىٰ أن يفهم المخاطب ما يقول، وقد يختصر ويوجز؛ لأغراض منها: ألا يمل السامع، ولا يطيل فيضيع وقتهما، وقد يفوت المعنىٰ والغرض بالإطالة والإسهاب والتوسع، وقد تضيع مصلحة... إلىٰ غير ذٰلك من أغراض الإيجاز.
وما مضىٰ - مما هو معروف - يخص التركيب والمعنىٰ... وقد يتخفف المتكلم من بعض الحروف/الأحرف فيحذفها، وهٰذا ما نلمسه في اللهجات واللغات، كأن يسمي المصري «عبد الفتاح»: عَبْ فَتَّاح، و«عبد الرحيم»: عَبْ رحيم، و«عبد المنعم»: عبْ مِنعم،...
ومن هٰذا القبيل قول الشامي: ”عَ مَهْلَك“، يريد: علىٰ مهلك = علىٰ رِسْلِك، وقول المصلي على النبي من أهل السنة: ”صَعَ وَسَلَّم“، و”صَعَا سَلَّم“، و”الرَّ سَلَّم“ = الرسول صلى الله عليه وسلم، وقول بعض الشيعة: صلى الله عليه «وَالِ سَلَّم» = وَآلِهِ وَسَلَّم.
وما نسمعه من اتهام بعض العامة إخوتهم من أهل السنة: من أنهم يحبون الصحابة أكثر من حبهم رسول الله - ﷺ - محض تحكم لا يقوله منصف، وكل المسلمين شيعة وسنة يحبون النبي وآله - عليهم الصلاة والسلام - أكثر من حبهم أنفسهم وأبناءهم وآباءهم وأمهاتهم، وهٰذه عقيدة المسلمين جميعًا.
ومما يؤلمني كثيرًا أن بعض العامة ينبزون بعض أهل السنة، ويلقبونهم ب «الصلاعمة»، والمفرد: الصلعمي، وهٰذا اللقب قد أطلقه أعداء الإسلام من الملحدين والمنصرين عليهم، وأنا أربأ بهٰؤلاء الشيعة عن أن يضاهئوا أعداء المسلمين.
ومن التخفف حذف النون من «مِنْ»؛ تقول: خرجت مِ الدار = مِدْ دَار؛ تحذف نون «من» الساكنة؛ للتخلص من التقاء الساكنين، وقد ورد مثل ذٰلك في شعر المتنبي ممن لم يحتج بشعرهم، ولا إخال أن ليس له أصل؛ بل لذٰلك شواهد ليست بالقليلة من الشعر المحتج به.. ولعل «مِ» حرف هو «مِنْ» نفسه، وإن زُعِمَ أن هٰذا من قبيل الضرورة الشعرية! ولست من القائلين بها؛ فما جاز شعرًا في ضيق الكلام جاز عندي نثرًا، في سعته.
ومن التخفف حذف التنوين بين العلمين، كقولك: ”السلام علىٰ عليِّ بْنِ الحسين“ = عَلِيْ يِبْنِلْ حسين، وقولك: ”قال أبو عمرِو بْنُ العلاء“ =... عَمْرِبْ نُلْ عَلاء.
وقد قرئ: ”قل هو الله أحدُ الله الصمد“ = أحَدُلْ لَاهُصْ صَمَد، وهو تخفف، وقد سوَّغ حذفَ التنوين التخلص من التقاء الساكنين، وإن كان كسر أولهما أشهر.
ظاهرة التخفف والإسراع في الكلام القديم واللهجات المعاصرة لا تكاد تحصىٰ شواهدها.. فلأتخفف، وأخفف الوطء، فلا أطيل عليكم.