آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

الكوارث ليست عقابا أو ابتلاء من الله

محمد حسين آل هويدي *

بسم الله الرحمن الرحيم:... ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ «34» صدق الله العلي العظيم - القمر.

قصص القرآن، لا تختلف كثيرا عن قصص التوراة. إلا أن الأمر ليس قطعا ولصقا. القرآن يتناول قصص الأنبياء بأدب واحترام. بينما الروايات التوراتية، عند الكتابيين، تتحدث أحيانا ببشاعة عن الأنبياء وتتهم بعضهم بزنى المحارم، والقتل، والتنمر. القرآن يصحح المفاهيم. ويركز على الفكرة أو الحدث، أكثر مما يركز على الشخص. وذلك ليعتبر المعتبرون.

عمر الأرض يقارب 4,5 مليار سنة. وحدثت بها أحداث لا تصدق؛ ارتطام كوكب «ثيا» بالأرض ليخرج «ينشق» من رحمها القمر. وقذفت الأرض بِوُبِلٍ «جمع وابل» من الأجرام والنيازك، حتى انقرضت الدينصورات، قبل ما يقارب 65 مليون سنة بسبب ضربة نيزك «ربما كويكب» بمعدل قطر 12,5 كم ضرب سواحل المكسيك، فأدى لكوارث قتلت أكثر الأحياء على وجه الأرض.

فهل أجرمت تلك الحيوانات ليصب الله سبحانه عليهم غضبه؟ وأستغفر الله على ما أقول، هل عقل الله جل وعلا صغير لهذه الدرجة ليعاقب بهائم؟!

طبعا، كَلَّا. وتعالى الله عما يصفون. هكذا هي دورة الطبيعة؛ موت وحياة. وكل هذه الأمور تمهيدا لصنع حياة عاقلة على الأرض. والله سبحانه لم يخلق شيئا عبثا. وهو على علم بما حدث وسيحدث.

لو لم يركب نوح السفينة مع المؤمنين، هل كان سينجو من الطوفان؟ لو لم يخرج لوط من قريته، هل كان سيسلم؟ لو كانا سينجوان، لما أتى الأمر السامي من العلي القدير ببناء السفينة والخروج من تلك القرية المشؤومة ليلا. هو أمر الله حسبه من قبل الانفجار العظيم ليضرب تلك القرية في ذلك الزمن في ذلك الوقت المحدد.

الله سبحانه وتعالى ليس كيانا عاطفيا، أو مزاجيا، أو نزويا، أو متهورا ليتعاطى مع مخلوقات ضعيفة بغضب عارم ليغير فيه الأمور الطبيعية للانتقام. ودليل هذا القول موجود في سورة الأنعام: ﴿قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ «58» وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ «59».

قال تعالى في سورة الروم: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ «41». هذا يعني أن البلاء تسبب فيه الناس لأنفسهم وليس بسبب تدخله في حيواتهم. مثلا، الله سبحانه حذر من اللواط منذ ألوف السنين لعلمه بالعواقب الوخيمة لهذه الممارسات. في أواخر القرن العشرين ابتلي اللواطيون، والزناة، ومتعاطو المخدرات بأمراض جنسية غريبة، مثل الإيدز وغيره. في هذه الأثناء، تعرض أيضا أبرياء لمثل هذه الأمراض من خلال نقل دماء مصابين. فما ذنب الأبرياء من الناس لينتقل لهم هذا المرض المخزي؟!

الزلزال الذي حدث في تركيا، قد حصل قبل وجود الإنسان بملايين السنين وذلك بسبب حركة صفائح القشرة الأرضية، وستحدث بعد أن يفنى الإنسان. كما لهذه الزلازل أضرار من جانب، لها فوائد من جانب آخر. وهكذا تسير وستسير الحياة. كما هي. بحلوها ومرها. الله يعلم ما سيحدث. وعلم ذلك قبل أن يُخلق الكون. ولن يتدخل سبحانه ليغير القوانين التي بنى بها الكون لأجل عقاب أو ثواب.

﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا «23 - الفتح». علينا أن نتعلم من هذه الأحداث ونلملم شملنا من جديد ونحاول أن نتعاطى مع الطبيعة بصورة موضوعية دون ترقب تدخل سامٍ ليغير أمر الله سبحانه.

﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ «11 - الرعد». التغيير بيد الإنسان. الله لن يتدخل. وعلى الإنسان أن يتعاطى مع الطبيعة كما هي ويبني البنايات التي تقلل أضرار الزلازل والفيضانات والكوارث الأخرى.

‏References

‏Jaggard, V. «2019,07 31». Why did the dinosaurs go extinct? Retrieved 02 09,2023, from National Geographic: https://www.nationalgeographic.com/science/article/dinosaur-extinction

‏Osterloff, E. «n.d.». How an asteroid ended the age of the dinosaurs. Retrieved 02 09,2023, from Natural History Museum: https://www.nhm.ac.uk/discover/how-an-asteroid-caused-extinction-of-dinosaurs.html
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
Fady
[ SaudiA ]: 10 / 2 / 2023م - 3:13 م
الكوارث ليست عقابا أو ابتلاء من الله، ولعل هذه الحَلَقَة الأولى من سلسلة حلقات!

+ كيف لا تكون هذه اتلاءات ومصائب تضعنا -نحن البشر- على المحك والاختبار، للتمييز والاعتبار؟

+التوصيف الدقيق وتحت منظار كتاب الله المجيد، يكون حقاً مبهر للتدبر والتامل.

+ يبقى هنا من يعتبر ويأخذ هدي الله سبحانه للأخذ بأسباب النجاة، وجميعنا يعلم كيف هي استعدادات اليابان واليابانيين في التحدي ضد الزلازل وأيضاً نفس الشيء علمته من اختصاصيين أثناء إقامتي في كاليفورنيا وعن الستعداداتهم الكبيرة وفي مستويات الطرق السريغة التي تتلاقى بشكل يمثل الثلاثة والأربعة ظوابق فوق بعضها .. والحديث هناك لا ينتهي عن "الزلزال الكبير the Big ONE"

+ هنا تكتمل الصورة في تسخير مقدراتك أيها الانسان في استخلافك لعمارة الأرض.. والسلام

سيهات - دكتوراه في علوم الحوسبة و باحث وكاتب مستقل