ما أنت عليه اليوم
لو شاء القدر وتمكنت من التحكم في الزمن وصار بإمكانك أن تأخذ نفسك إلى الوقت والمكان الذي ترغب، ياترى إلى أين ستنتقل وما هو الحدث الذي شغل بالك لسنين وتود أن ترجع فيه إلى الماضي لتغييره..؟ هل سترجع إلى ذلك الوقت والمكان الذي رفضت في عرضًا لوَظيفة مرموقة لم تعطي فيها نفسك الوقت الكافي لاتخاذ القرار الصائب. أو أنك ستأخذ نفسك إلى اللحظة المفصلية التي جمعتك بذلك الشخص الذي اعتقدت في ذلك الوقت أنه شريك حياتك المناسب، فارتبطت به وما زال يأخذ حيزًا في حياتك بعد أن كوّنتما أسرة، على هامش ما يَجمعكما أو يُفرقكما من تفاهمات وتناقضات.
انت مُحيطٌ ومُتفهمٌ بأنه لا يمكنك بأي حال تغيير ما حدث بالفعل. ولو حاولت تغيير الوضع الراهن، لانقلبت حياتك رأسًا على عقب، فآثرت في نهاية المطاف أن تتفهم أن ما حدث قد حدث وأن تغيير الواقع، ليس بالضرورة سَيعمل في صالحك..! قل لي بربك، ألا تعتقد أن هذا الكم من الخبرات التي جمعتها على مر السنين، ربما هي حصيلة طبيعية لعدم قبولك ذلك العرض الوظيفي، أو أن ارتباطك بذلك الشخص هو الذي جعل منك، ما أنت عليه اليوم..!
أنت لا تعلم تمامًا بأن ارتباطك برفيق عمرك، هو عين الصواب أو الخطأ، لكنك تعلمت كيف ستكون عليه حياتك، لو شاء القدر أن لا تنتهي تلك المُقاربة بالشكل الذي تَمّت عليه..! كما أن مَشيّة الله في عدم حصولك على وظيفة أحلامك، هيأ لك الفرصة ان تتعلم مَدى أهمية المخاطرة وكيفية اغتنام الفرص عندما تُتَاح لك. ها أنت وقد اتخذت مسارًا مختلفًا، انظر بتمعن ووعي وإدراك إلى ما أنت عليه اليوم، لتكتشف أن الخير، هو فيما وَقَعَ فعلًا.
صحيحٌ أنه لا يمكنك تغيير ما حدث في الماضي. ما يمكنك تغييره هو المستقبل وذلك من خلال ما تفعله في كل لحظة من لحظات الحاضر. دورك في هذه اللحظة الحياتية، هو أن تشكر كل من تفضل عليك وهيأ لك طريق النجاح عندما كنت ضعيفًا بائسًا، لتستمتع بكل دقيقة من حاضرك المجيد. الآن عندما تخبر أي أحد من حولك، كم هي الحياة رائعة، تَذَكّر أولئك الذين لم يَخذلوك، بل وَقفوا معك وساعدوك حتى أتى اليوم الذي تكتشف فيه، ما أنت عليه اليوم، ولولاهم لكانت النتائج مختلفةً.
مع كل تلك الانجازات الشاخصة أمامك، لا تقل لي أنك لم ترتكب أيّ خطأ في حياتك. تَمَسكنا بالقيم النبيلة، علاوة على روعتنا وحَذرنا، إلا أننا نرتكب الخطأ تلوَ الخطأ، شئنا أم أبينا. نحن جميعًا تعلمنا الصَوابَ من الخطأ. لذلك يتوجب علينا أن نشكر الخطأ على حدوثه لأنه لو لم يحدث، لما تعلمنا درسًا جديدًا ولمَا تمكنا من التحدث أو الكتابة عنه.
جميعنا لدينا القدرة على شفاء أنفسنا من الداخل والخارج. صحتنا الداخلية والخارجية مرتبطتان ببعضهما البعض، ارتباطًا وثيقًا كونهما في جسدٍ واحدٍ متناغم، إذا تضرر أحدهما أثّر على الآخر. تجاربك الحياتية خَلّفَت لك إرثًا ضخمًا من الوعي الذي يَمُدك بما تحتاجه من طاقة، تساعدك على النمو بشكل أقوى جَسَديًا ونفسيًا. هذا بدوره مَنَحك الوضوح العقلي الذي يسمح لك بضبط أفكارك ومشاعرك. الآن بات من السهل عليك معرفة مواطن الدفء، فصرت تعرف أين توجه بوصلتك لتحقق أقصى درجات الرضا والعيش، الذي به تَسْعَد وتعيش السلام بكل تجلياته.