قراءة تحليلية لنص القاص السعودي حسين السنونة «نساء قريتي لا يدخلن الجنة»
يستبيح الحرف خصوصة الحدث الخبيئة بين دهاليز النفس البشرية بنهمارها التلقائي في مجاري الحياة المتعاجلة في حثيثها نحو مآلات الإنسانية في شتى مناحيها الموغلة في الحتمية القسرية بين القبض والاطلاق والقدرية المؤدية للتلقائية في السلوك الحياتي حتى حدود الشغف والتداعي الهميل. يعالج الكاتب نصوص مجموعتة القصصية البالغة ثمانية عشر نصا مشكل المجتمع العربي والشرقي على اطلاقه في معتقده ومسلماته والتجاوزات التي تتخللها.
ما يميز الاسلوب هو البساطة الموغلة في العمق الشعوري والفكري للإنسان العربي في تفاصيل حياته الدقيقة بذلك العرض باسلوبه السهل الممتنع في تقنية السرد بكل عفوية تميل للعرض المتكامل للحدث دون التقيد بقواعد وقوانين القصة من مقدمة وحدث صاعد وذروة وحدث هابط ثم الخاتمة.
ياتيك النص دفعة كاملة في سياق يقرب من الخبر الا ان الدهشة الفنية تظل سيدة الموقف الجمالي.
”نساء قريتي لايدخلن الجنة“ هذا النص يحتشد بجرأة غير عادية وفكرة لم تطرق من قبل يجسد في ملحمة صامتة وشرسة الصراع الابدي بين مكون المجتمعي في ثنائيته المتباينة بين الرجل والمرأة والدين والمجتمع والتقاليد وقد وظف النص الشرعي ”اخوانكم في الرضاع“ توظيفا فنيا وفكريا رائعا جاعلا منه اسلوب للتغيير في حياة المجتمع المغلق المحافظ إلى الحرية المطلقة حتى السقوط والقى به في اتون المدنية التي لا تحدها حدود بل هي الحرية الملقاة على عواهنها في مجتمع مكبل بكل القيود الاجتماعية. واستلام المرأة زمام السيادة والقيادة بعد العبودية والخضوع فكان الانفلات المؤدي للانهيار المجتمعي بالكامل.
في نص ”ريال فلسطين“ وظف الكاتب الشعور القومي التعاطفي مع القضية الفلسطينة في عمق المشاعر العربية ازاء هذا الظلم الا انه استغل في عرضه للحدث اضعف جانب واكثر تاثيرا في نفس المتلقي وهو مشاعر الطفولة وقدسية المعلم الذي يثبت قواعد رسالته في النشئ بذلك الذكاء لتقوم فكرة المقاومة في المستقبل على جذور ثابتة وتصبح جزءا من عقيدة الشعوب العربية المسلمة لتظل فلسطين هي الحلم العربي على مدى العصور حتى يتم الجلاء الصهيوني من الارض العربية.
يلج الكاتب مباشرة إلى مهزلة السقوط الفكري الإنساني المزلزل لحياة الناس من جراء الفشل الاقتصادي في قصة ”رجل من فئة 100“ حيث الضرر الذي يلحق بحياة الناس من جراء هبوط سعر العملة التي ارتبطت ارتباطا مباشرا ومذل بالعملة الاجنبية فكانت النتيجة تبعية وذل وهوان وعبودية اقتصادية وانهيار للكيان الإنسان المجتمعي الذي لايرجو سوى الحياة كريمة في امن وستر.
الفساد الذي يعم كل فئات المجتمع لم يكن نابعا من سلوك افراد المجتمع بل من اعلا قمة الهرم في الحكم في نص ”اذا الملح فسد“ هذا النص عميق الدلالة فلسفي الرؤى وبعيد النظرة في طبائع الناس وسلوكهم في عاداتهم وتقاليدهم له دلالة غامضة ووضيحة. إذا فقد الطعام الملح يصبح بلا فائدة وغير مستساغ مهما كانت قيمته لذلك شبه حياة الناس بالطعام وغياب الملح هو فساد الطعام الذي يحمل رمزية. فساد الحياة العامة بكل تفاصيلها.
في نص ”السجن يسدد“ فكرة جيدة وجديدة وفيها كثير من المعقولية والفهم المتطور للعقلية الإنسانية حين وضع الكاتب عقدة النص بين سجنين سجن الدين المفقد للحرية الشخصية في خضم مساحة المجتمع وسجن القانون الذي يمنع الحرية ويعمل من اجل الحرية. اختار الكاتب السجن القانوني ليحل به عقدة سجن المجتمع وعقدة النص الفنية في سياق سردي رائع تضع حدا فاصلا يمثل قمة الذكاء الاجتماعي في نمطه الفكري المتطور.
المهزلة التي يتسبب فيها النظام الطبقي في المجتمعات حيث يجعل الناس ثلاث طبقات. طبقة للذوات الذين يملكون كل شيئ وطبقة ثانية هي ممتلكات من اشياء ثمينة وحيوانات لها خصوصيتها في حياة الطبقة العليا لذلك جعلها الكاتب الطبقة الثانية قبل الطبقة الدنيا من الناس واصبح لها تميز خاص حتى في الفنادق. جسد الكاتب ذلك الصراع الطبقي بشكله الدوني في نص ”الوسادة البيضاء“.
موقف الشيوعية في المجتمع المسلم في وضعية الغريب الغير مرغوب فيه الذي لايتقبله المجتمع المغاير. مهزلة فكرية وإنسانية وعقدية في المجتمع حيث التباين في الفكر والعقيدة والسلوك بل في الاخلاق على اطلاقها حتى تصبح مجرد حالة شاذة سوف يعود معتنقها لرشده حيا كان أو ميتا يفرض عليه الدين الغالب على سواد مجتمعه بل يفرض عليه وهو ميت. جسد ذلك الكاتب في نص بعنوان ”عاش احمر ومات اخضر“ يؤكد فيه عبثية الشيوعية في المجتمع المسلم رغم تداعياتها الفكرية في المجتمع.
في نص ”كانت لي احلام“ اسند الكاتب خلاصة النص على خمس محاور اساسية:
1 الكره الفطري والابدي لليهود على عمومهم 2 التضحية والعطاء بلا حدود لتحقيق حلم الاخر في تجرد وسخاء 3 الحظوة التي ادت لفساد النفوس والمجتمع 4 الحسد الذي ظل داء ينخر في نفوس بعض افراد المجتمع مما ادى لخلق كثير من المضايقات في حياة الاخرين.
5 الوطن وهو المحور الاساسي الذي تقوم عليه كل الاحداث بمختلف انتماءاتها ومنتمياتها في تلك الثوابت المقدسة التي لا تقبل المساومة.
في نص ”هذيان المطر“ يجسد الكاتب فكرة التغيير في اسما معانيها. في غضون الحياة الزوجية وكسر الروتين. الحب تحت المطر والرياح وعصف الطبيعة يصمد الحب ويزدهر ويثمر ثم يعود إلى عنفوانه الذي فقده برتابة الحياة وبرامجها القهرية الملزمة بيت واطفال وعمل ومدارس ودوامة لا حدود لها. كسر هذا النص هذه الحدة في الروتين ودعى لتجديد الحياة الزوجية بإنعاش المشاعر العاطفية الفتية بطريقة مختلفة وقاسية خلافا لما هو معهود.
كل إنسان يمر بظروف مختلفة في حياته لكن تتخللها بعض الاحداث التي يشوبها كثير من الغموض فتغير مجرى حياة الفرد وتجعل فيها نقطة ضعف مربكة وذات اثر عميق في النفس يظل سرا يموت به صاحبه. الا ان الكاتب في نص ”مغسل الاموات لا يكذب“ فيه كثير من غرابة الفكرة وواقعيتها الاليمة مزج فيها الكاتب جودة الحبكة الفنية في ذروة النص وسعة الافق بكشف السر الابدي في ما بعد الممات. الموت غطاء للسر لكن الكاتب كشف هذا الغطاء دون الوعي بردة الفعل الخطيرة في نفوس ذوي العلاقات الحميمة بصاحب هذا السر. وقد افلح الكاتب حين اختار مغسل الاموات شخصيا للقيام بهذه المهمة لانه آخر من يراه مجردا ربما غير اخلاقية. لكن الفكرة جريئة ورائعة بلا شك
الغربة ذلك الجحيم الاختياري الذي يعتمد الصبر على كل المكاره ربما بعضا من الذل من اجل تحقيق اهداف محددة في الحياة ثم العودة للوطن. في هذا النص الذي اطلق عليه الكاتب ”العامل الاسمر“ يجسد التضحية من اجل الهدف. كما يجسد النظرة البيروقراطية ازاء العمال في المؤسسات الكبيرة ذات الابهة الرسمية. التي تعتبر العمال مجرد ادوات يمكن التحكم في مصائرهم بمجرد اشارة وفات عليهم ان هؤلاء بشر وقع عليهم ظلم المؤسسة دون ان تدري لانها تدار آليا وليس إنسانيا وفات على مجلس الادارة كله انه يقدم لهم خدمة جليلة دون اجر. هذا تجسيد لبعض مآسي الغربة.
في نص ”اصوات خشبية“ يشير الكاتب إلى ظاهرة الجدل السياسي في اوساط المتعلمين والمثقفين أو المستنيرين والاراء المتباينة حول الخطأ والصواب حول قرارات بعض الرؤساء أو جلهم في مصير الدول في الشرق الاوسط. هذا مثال لكل مجتمعات المثقفين في كل البلدان العربية أو المقاهي الثقافية في عمومها.
التغيير مفردة فضفاضة لا تحدها حدود. التغيير يشمل كل شيئ في الحياة ولا يتقيد بنظرية الثابت والمتحول. هنا كسر الكاتب حدة هذه النظرية التي اسس لها الاستاذ ”ادونيس“ إذ جعل التغيير في كل شيئ حتى اصبح ظاهرة مرضية. التغيير في حد ذاته بمفهومه الرادكالي هو الثورة والثورة تعني التغيير أو احد آليات التغيير العملية بقهريتها الجشيمة في تاريخ الشعوب المستضعفة. استغل الكاتب هذا المفهوم في غاية من الاتقان الروعة في نص ”المهووس“. رمزية عميقة التعبير عن مرحلة عمرية مرضية تستدعي الفعل اللاارادي في شغف التحول من حالة لحالة حتى وللو لغير الافضل فقط تغيير من اجل التغيير.
في نص ”عصا جدي“ جسد الكاتب نظرية تحتمل كثيرا من التداعيات الجدلية حول الجمال. تضع القارئ امام سؤال فلسفي فكري مرتبط بالعقيدة والشرع من طرف آخر ”الجمال ملك مشاع لكل الإنسانية لكن الملكية المادية حق شخصي أو فردي“ هنا طرفي المعادلة بشقيها الفطري ممثلا في حق الإنسان مثلا ان يستمتع شخص ما بجمال زهرة في بستان مملوك لشخص آخر حق مشاع لكن لا يحق له قطفها لانها ملك خاص لشخص آخر وكذلك المرأة الجميلة وان كان للشرع هنا رأي آخر ”غض الطرف“ والجدلية الفكرية والدينية تطول في هذا المفهوم.
في نص ”عدالة الشمس“ جسد الكاتب رمزية العدالة الالهية واسس للمفهوم المنطقي في رمزية المؤسسات الحكومية التي تتمتع بكل اسباب الراحة التي لا يشعر فيها الموظف بحرارة الشمس لابد له من الخروج من هذا الجو المترف إلى السيارة في غضون المسافة بين السيارة والمبني لابد من التعرض لاشعة الشمس المحرقة قبل الوصول للسيارة هنا استخدمها الكاتب كموعظة للتذكير بحرارة جهنم فيستقيم المسؤول ويصحو ضميره أو يخاف وينجز ما بين يديه من عمل ليكفي نفسه شر جهنم.
خاتمة:
هذه النصوص عالجت قضايا أكثر اهمية وموضوعية في المجتمع العربي على وجه الخصوص طارحة كل الاسقاطات على طاولة النقد بكل جرأة وحماس. بل تطرق لمواضيع أكثر جدلا في ماهيتها الذاتية الخبيئة في عمق المكون الفكري والثقافي للمجتمع. طرح في هذه المجموععة كل تفاصيل مشكلات المجتمع العربي باسقاطاته وتداعياته متمثلة في السياسة والاقتصاد والتطور ومأزق المدنية التي تقتحم حصون العادات والتقاليد في المجتمعات المحافظة والالتزام الاخلاقي ازاء الموقف العقدي الموحد ما ادى إلى انفصام عقد المجتمع وانهارت كل الثوابت.