لا يهمني أن تكون آخر من أحببت
بعد مرور كل تلك السنوات الطوال غافلًا عن نفسك ودون أن يكون لها موقعًا في سلّم أولوياتك، قد يبدو التفكير في أن تعيد صياغة تفكيرك وترتيب حياتك لتكون أنت أولًا وتبدأ في حب نفسك أمرًا مُلحًا. الأمرُ شاقٌ لا ريب، بل تكاد تشعر وكأنك مقدمٌ على تسلق جبل طويق.. أمرٌ طبيعيٌ هو الآخر. ربما بعد فترة طويلة من سوء المعاملة من قبل المحيطين بك، قررت أن تضع نفسك أولًا وأن يكون حُبك لذاتك يعادل كل الحب الذي رصدته للآخرين. لما لا وما العيب في ذلك!..
في كلتا الحالتين، من المهم أن تفهم ما يعنيه لك حب الذات. الأمر لا يتعلق بإعطاء نفسك بضعة أيام تقضيها في مُنتجع هادئ بعيدًا عن زحمة المدن وضجيجها وكل ما تعج به وسائل التواصل الاجتماعي من غثها وسمينها، أو تدليل نفسك بشراء تلك السيارة التي طالما كنت تحلم باقتنائها، وأنت أهل لجميع تلك الاستحقاقات. لا حرج في أي أن تُقْدم على فعل كل تلك الأشياء، وهي من أعمال الرعاية الذاتية، التي يسعى كل فرد لتحقيقها، لكن هذا ليس حُب الذات الذي أتحدث عنه..!
حان الوقت ان تتعاطف مع نفسك وأن تعاملها بصدق في جميع الأوقات. عليك أن تبني عادات صحية لم تكن مألوفة لديك من قبل وأن تتقبل نفسك كما هي بكل عيوبها دون قيدٍ أو شرط. هذا يعني أن تتحمل المسؤولية تجاه نفسك وتعترف لها بكل الأخطاء التي تجرأت وقمت بها. هذا إذا ما أردت أن تدنو من ذاتك وتتقرب إليها وتبدأ في احترامها والتصالح معها وحبها.
كي لا أُفهم خطأً، أنا لا أدعو أحدًا أن ينغمس في لوم ذاته وجلدها، بقدر ما أدعوه للتعاطف معها وحبها الحب الذي تستحقه.. أنا أتفهم أن هذا الإجراء يستغرق وقتًا وأن بناء عادات صحية جديدة أمرًا ليس بالسهولة بمكان، لكن أن تبدأ بالقليل اليسير لهُو خيرٌ من أن لا تبدأ البتّة.
بات عليك أن تحرر نفسك من جميع الضغوط النفسية، أو العيش في حزن، أو إحباط، أو يأس. انه عَمَلٌ شاق.. لا شك في ذلك، لكن عليك أن تبدأ. عليك أن تبدأ لأنه أفضل لك ولأهدافك وهذه هي الخطوات الأولى لتجعل من حب ذاتك عادة. لا يهمني إن كُنتَ آخرَ من أحببت. الأهم ان لا تنتظر كثيرًا حتى تشفى من آلامك، لتمنح نفسك الحب الذي تستحقه، فالشفاءُ الحقيقي يكمن في حب الذات لأنه بتلك الأهمية وإن وَصَمَهُ الناس بالأنانية.
«عندما خاب ظني بالكثيرين عَرفت أن حُبّ الذات ليس بأنانية». أنيس منصور
بقدرتك على تحقيق هذه الممارسة اليومية من تعاملك مع ذاتك، أنت لن تختبر السلام الداخلي وكيفية التعامل مع نفسك فحسب، بل ستختبر وتعيش علاقات أقوى مع الآخرين. لأنه كما يُقال «فاقدُ الشيء لا يعطيه».
الآن وبعد أن بدأت باختبار نفسك والتصالح معها، صرت أقرب لأن تتفهم حاجتها. صار بإمكانك التودد لها ووضعها في سلّم أولوياتك. صار بإمكانك اتخاذ الخيارات الصائبة التي تفيد أهدافك طويلة المدى بدلاً من التصرف وفقًا لما تراه يتناسب ومتطلباتك الآنية. بُتّ تشعر بالراحة النفسية والطمأنينة تجاه نفسك.. أليس كذلك..؟ اعلم إذن أيها الحبيب أنك تمشي في الطريق الصحيح.