أسطورة النجاح من الصفر
تلهمنا العديد من قصص النجاح الاستثنائية، حين يُقال أنّ فلان إنسان عصامي، شقّ طريقه لوحده، وبنى نفسه من الصفر، سواء في عالم المال والأعمال، أو أي مجال كان، وهو مدعاة للفخر والتباهي حينما يحقق المرء مثل هذه النجاحات إن كانت هذه ظروفه، إلّا أنَّ معظم قصص النجاح ليست صفرية!
قِلّة من رجال الأعمال قد نجحوا من الصفر، وقِلّة منهم، من نجحوا فعلًا من الصفر! فقد يُوفّق أحدهم لتأسيس شركته العملاقة من لا شيء، وبلا رأس مال، غافلًا أنه استفاد من علاقة هنا أو هناك، أو من تعليم تلقاه، أو من استشارات ثمينة هنا وهناك.
ما يميزنا كبشر أننا لا نعيد اختراع العجلة مرارًا وتكرارًا، وإلّا لما تقدمنا بهذا الشكل المتسارع، ما يُميِّزنا أنّ لنا عقولًا تتعلّم من تجارب الآخرين وتبني عليها، نحن لا نبدأ غالبًا من الصفر، ولا ينبغي ذلك مع وجود الموارد من حولنا، فالحياة تتطور بشكل سريع، وإعادة اختراع العجلة ليست الخيار الأمثل، بل التطوير والابتكار على ما هو موجود.
رائد الأعمال لا يبني شركته الناشئة تمامًا من الصفر، إنما يوظّف ما حوله من موارد لحل مشكلة ما لعملائه عبر نموذج عمل يحقق له الربح، وذلك قد يكون بتبنيه لابتكار تقني عمل عليه مهندس في قارّة أخرى، ويدير ويخطط لشركته بناءً على مفاهيم ونماذج إدارية توصّل إليها باحثون وممارسون قبل عقود، وغير ذلك من الموارد المتاحة له. التحدي الأكبر والأهم هنا هو في اتقان الخدمة أو المنتج الذي يسعى لتقديمه للمستفيد النهائي، أنا وأنت كمستفيدين، لا يهمنا كثيرًا كيف بدأ، وكم ساعة استغرق بناء المنتج، بقدر أهمية ما يضيفه لنا من قيمة الآن.
الباحث لا يبدأ من العدم، بل يبدأ كثيرًا من أبحاثه بمراجعة وتلخيص لأبرز ما توصلت إليه الأبحاث السابقة في موضوع البحث، ثم يضيف على ذلك ما توصّل إليه شخصيًّا من نتائج منهجيته البحثية.
العلوم، الأموال، العلاقات، الاختراعات، التجارب، الأصول، البرامج الحكومية، كلها أمثلة على موارد في حياتنا، والسعيد والموفق هو من يعرف الطريق إليها، ويستثمرها لخلق قيمة معينة تفيده وتفيد غيره، ليس عيبا أن نكمل مسيرة من سبقنا، أو أن نشارك عقولًا وكفاءات تُذلّل الصعاب، أونتّحد مع جهات تختصر المسافات، فمن الحكمة أن نوجّه جهودنا، ونترك أثرنا ونبدأ من حيث ما انتهى الآخرون.