المال يشكو ويتظلم
جاءني المال شاكيا يتظلم من أن الناس يذمونه وينتقصون من قدره وقد يتعدى ذلك ليصل إلى أن يجنوا عليه بما ليس فيه وطلب مني التوسط عسى أن يتفهم البعض ما أنقله لهم عن لسان حاله وأنه بريئ من التهم التي ألصقها الناس به جزافا كبراءة الذئب من دم يوسف. طمأنته بعدم مُمانعتي للفكرة لكن أفهمته بأني مجرد وسيط ليس إلا وأني سأنقل الرسالة للقراء الكرام كما هي ويبقى تفاعلهم معها أمرٌ مناط بهم وبالكيفية التي يرون عليها الأشياء. أتمنى أن أكون عند حسن ظن الطرفين وأتمكن من تغيير تلك النظرة السوداوية تجاهك أيها ”المال“ العزيز على قلوبنا جميعًا.
أيها المال شَكواك شكواي، لكن قبل ان امضي قُدُمًا دعني أسألك سؤالا عابرًا، ما هي الأمور التي تزعجك أكثر من غيرها وتود إيصالها إلى الناس. أجاب المال، في الواقع لا أعرف من أين أبدأ فالناس لم تترك تهمة أو عيبا إلا وألصقته بي ويعلم الله أني مذ ولادتي إلى هذه الدقيقة لم أسْعى يومًا في خراب بيت أحد أو تأزيم حياته، لكنه حظي النحس والتحاليل الخاطئة التي ينسجها بعض من يدّعون أنهم يفهمون الدورة الإقتصادية للمال. فخرج الناس بمفاهيم خاطئة جعلتهم يظنون بي سوءًا. مرّت الأيام والسنين وأنا امتص اللكمة تلو الاخرى ولم امتلك إلا الصبر، عسى أن يأتي اليوم الذي يتفهم فيه الناس حقيقة وجودي وصدقي وأني دائما وأبدًا في خدمتهم واسعى جاهدا لتسهيل أمور حياتهم.
تصور أستاذ ياسين انهم يقولون عني ما لا يتحمله أحدًا منهم. من يرضى أن يُقال له أنه ”وسخ دنيا“ أكرمكم الله، أو أن ”المال أصل كل شر“. تخيل أين وصل بهم الحال..! إذا كان ذلك صحيحًا، فلماذا هذا التكالب والتزاحم بين الناس على التقرب مني ونيل المزيد من بركاتي. كم مرة رأيت المال ممتنعا عن خدمة شخص، الا ينظرون إلى التسهيلات الكبيرة التي وفرتها لهم ولولاي لعانا الكثير منهم الأمرّين. صحيح اني لا اكون متاحا لأحد دون مقابل، لكن أليست هذه هي سنة الحياة؟
أنا لا أريد أن أكون ما ليس أنا، ولكن من باب العدالة والإنصاف أن لا يتفوه المرء بما لا يرضي الله كوَصم المال مثلًا بما ليس فيه. أخذت بخاطر المال ووعدته بأن أنقل تظلمه هذا كما هو وعلى الناس أن يُحَكّموا آراءهم فيه ويصلحوا تلك العلاقة بينهم، لأنهم اولا واخيرا في حاجة ماسة إلى بعضهم البعض وأن وجود أحدهما دون الآخر لن ينفع كلا الطرفين.
عزيزي القارئ ها أنت قد قرأت ما دار بيني وبين المال من حديث، وأنت كغيرك من الناس تسعى صبح مساء لنيل المزيد من هذه السلعة الهامة لتوفير ما تحتاجه من سلع أخرى وخدمات حياتية ضرورية. ألم يتح المال لك ولغيرك ما لم يكن متاحًا واوصلك إلى ما أنت عليه الآن من يُسر وبحبوحة من العيش؟
إذا وضعنا نصب أعيننا كل تلك التسهيلات التي توفرت بوجود المال في حياتنا، هل من باب المكافأة أو التعامل بالمثل أن يُوصم المال بما ليس فيه من صفات وألقاب هي الأقسى والتي لا تليق بمقامه ومكانته؟ ألا ترى أن من تجرؤوا عليه قد أخطئوا في حق أنفسهم جراء تطاولهم الغير مُبرر على سلعة هي الأرفع مقامًا كونها عصب الحياة لما تحمله من أهمية بالغة في تسهيل أمور الناس وأن عليهم إصلاح تلك النظرة. أو أن على ”المال“ أن لا ينبس ببنت شفة ويكون أكثر حكمة وأن يتأسى بأبيات الامام الشافعي:
وَأنطقت الدَراهمُ بَعد صَمتٍ..
أُناسًا بَعدَما كانوا سُكُوتا
فَما عَطفوا على أَحَدٍ بفَضلٍ..
ولا عَرَفوا لمكرمةٍ ثُبُوتا