المعرفة العملية لقيادة التحول الرقمي الحكومي
توفير الخدمات العامة رقميًّا من شأنه تسهيل ورفع جودة حياة المواطن في وطنه، لذلك، تسعى الحكومات لتبني تقنيات رقمية تمكنها من ذلك، عبر رحلة تُعرف باسم ”التحول الرقمي“، ولتحقيق هذا التحول تحتاج الحكومات لما يُطلق عليه في الأبحاث الأكاديمية بال «Know-how»، وهو ما سأشير إليه ب «المعرفة العملية»، التي تُمكِّن من تسخير الموارد والإمكانيات المتاحة في سبيل هذا التحوُّل، هذه المعرفة العلمية يُمكن أن تظهر بشكل رؤية جديدة، أو خبرات، أو مهارات إدارية يمتلكها القادة في هذا المجال.
المعرفة العملية ضرورة من ضروريات التحول الرقمي الحكومي لما تتضمنه هذه الرحلة من كم هائل من البيانات والمعلومات المرتبطة بجميع أقسام المنظومة، والتي بحاجة لتحليل ثم اتخاذ قرارات عديدة بناء على ذلك، وهذا لا يتم إلا بامتلاك صُنّاع القرار للمعرفة العملية اللازمة.
إذاً، فما هي المعرفة العملية التي يحتاجها المسؤولون في الجهات الحكومية لقيادة التحول الرقمي؟
هذا السؤال الجوهري طُرح ضمن أحد الأبحاث الأكاديمية حول التحول الرقمي، في بحث شمل دراسة حالة لـ 11 حكومة محلية كندية لغرض الإجابة على هذا السؤال وغيره من التساؤلات.
المقصود هنا بالمعرفة العملية هو مستوى عميق من القدرات والمهارات يتجاوز المهارات الفردية بمعناها التقليدي، والتي سبق وأشرت لبعضها في مقال سابق بعنوان «أثر القائد الرقمي على أداء المنظمات»
إن أبرز ثلاث نقاط مستخلصة تُوصِّف المعرفة العملية المطلوب توفرها في قادة التحول الرقمي الحكومي هي كالتالي:
1 - القدرة وامتلاك المعرفة لترويج وتعميم استراتيجية جديدة للمنظومة متضمنة للتقنية والابتكار.
2 - القدرة وامتلاك الخبرة لاستخدام روح نظام العمل الحالي القائم في المنظومة.
3 - القدرة وامتلاك المعرفة والخبرة لإعادة هيكلة المنظومة لتدمج روح وأساس النظام الحالي بالاستراتيجية الجديدة ومن ثم تطبيقها بتبني أفضل الممارسات.
ومن أفضل الممارسات التي يُوصى بها خلال رحلة التحول الرقمي هي:
1 - تأسيس شراكات حكومية مع مقدمي الخدمات والحلول الرقمية من القطاع الخاص، وذلك لغرض دمج خبرة الجهات الحكومية ومعرفتها بطبيعة الخدمات المقدمة، مع تمكُّن واحترافية القطاع الخاص، وهذا من شأنه اختصار الطريق وتقديم كل طرف عصارة ما لديه من خبرات.
2 - تعاون الحكومات مع الجامعات ومراكز الأبحاث المحلية لإنتاج مخزون معرفي يختص بدراسة الوضع المحلي للبلديات والوزارات ومختلف الجهات الحكومية، وكيفية استثمار الشراكة مع القطاع الخاص في سبيل خدمة هذه الجهات المختلفة.
3 - تعاون الحكومات مع الجامعات ومراكز الأبحاث المحلية لتصميم برامج تعليمية تنفيذية تهدف لردم الفجوة المعرفية بين العاملين في هذا الميدان.
ختاما، أود الإشارة لأبرز عوائق نقل المعرفة العملية وهي:
1 - الخوف من تفوق الآخر وفقدان الميزة والقيمة الذاتية، مما قد يدفع بعض المسؤولين في القطاع الحكومي لعدم مشاركة ونقل ما يملكونه من خبرات لجهات حكومية أخرى أو لأفراد آخرين ضمن نفس الجهة.
2 - الصراعات والتنافس الحاد أو الغيرة قد تدفع بعض المسؤولين الحكوميين للتقليل من قيمة ما لدى الجهات الأخرى من معرفة وإمكانيات، وبهذه العقلية والنظرة القاصرة يفوت القطاع العديد من الفرص لتبادل الخبرات.
مثل هذه العوائق بالإمكان تجاوزها عبر الرؤية المشتركة والثقة المتبادلة داخل القطاع العام وكل من الجهات الحكومية المختلفة، بالإضافة لتوفير المحفزات للعاملين في هذا القطاع لمشاركة ما لديهم من معرفة مما يسهم في رفع كفاءة الأداء العام.