آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

مجموعة كتاب

محمد حسين آل هويدي *

بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ «1» خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ «2» اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ «3» الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ «4» عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ «5» ... صدق الله العلي العظيم - العلق.

تخيل نفسك في صحراء تلهث طالبا للماء. فتمر على حكيم. ويقول لك: «اركض». ستتعجب بكل تأكيد. عندما نزل الوحي المبارك على محمد ﷺ، قال له: «اقرأ». ماذا يعني هذا لشخص في صحراء لا توجد فيها مكتبات أو كتب أو علماء؟ لماذا لم يقل سبحانه: «صلِّ»، «صُم»، «زَكِّ»، «حُج»، «جاهد»، أو أي شيء آخر من العبادات؟ هل تظن أيها القارئ العزيز بأن الله ركز على القراءة اعتباطا، بل وقدمها على جميع العبادات؟!

بكل تأكيد الله يريد أن يُعْبَدُ بعلم ومعرفة وليس بجهل أو حركات ميكانيكية لا معنى لها «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ? قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ? إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ». لاحظ اقتران العبادة بالعلم. وقارنها بهذه الآية أيضا «وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ».

بالطبع، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. ولكن لا يوجد في هذا الزمن شخص لا يستطيع القراءة، إلا ما ندر. هذه رسالة إليك من الله أيها العابد الطائع كون توفرت لديك الكتب وسبل المعرفة بضغطة زر. والأمر بيدك أنت. هذه رسالة إلهية أنزلها في القرن السادس، لتصل لأهل القرن الواحد والعشرين. هل تريد أن تعبد الله كما يريد هو أو كما تريد أنت؟ الله لا يريد عبادة الجاهلين. وبالنسبة إلي، القراءة «طلب العلم بصفة عامة» مقدم على جميع العبادات، بل القراءة مح العبادة وأفضلها، وفيها ثواب كثير، وعبادة مقدمة، وزيادة في العلم والمعرفة.

يتلقى الإنسان تعليمه بالتقليد، ثم بالتدرج في الدراسة، بحيث تردد عليه السور والأناشيد لحفظها، وكما يقال دارجا: «يغرونه بملعقة». شيئا فشيئا، يعتمد الإنسان على نفسه. وهذا يبان في المرحلة الجامعية. وشهادة البكالوريوس دلالة على أن هذا الشخص قادر على التعلم. والماجستير تدل على أن له استطاعة على فهم رطن المختصين. ومرحلة الدكتوراه تبين أنه قادر على إنتاج علم وأبحاث ومعرفة. وسلم المعرفة عبارة عن «بالتدريج» وِحْدَة، بيانة، معلومة، معرفة، حكمة، تبصر. الإنسان الطبيعي يستقبل بيانات ويحولها إلى معلومات من الاحتكاك والخبرة؛ مثلا، عندما يرى الطفل من حواليه يشرب الماء. الكأس والماء بيانات. ولكن عندما يعرف الطفل بأن هناك ارتباطا بينهما لشرب الماء الضروري للحياة، تتحول هذه البيانات إلى معلومات مخزونة.

مع التقدم في العلم، يستطيع الإنسان استخلاص معرفة من المعلومات، ومن ثم تحويلها إلى حكمة. والحكمة أن يتعلم المرء مما سبق. ثم تتحول الحكمة إلى تبصر، بحيث يستطيع الإنسان أن يتنبأ بالمستقبل بناء على المعطيات. وكذلك المتخصص العمودي يذهب باتجاه الوحدة ليعرف أن الخلية وحدة الحياة وأن الذرة وحدة المادة، بل لدرجة أن يذهب البعض إلى تفتيت وحدة الذرة ليعرف مكوناتها الأصلية.

عادة، وفي الدراسات العليا، خصوصا في مرحلة الدكتوراه، تكون الدراسة نقاشا أكثر مما تكون تلقينا أو قراءة لاستخلاص معرفة. المطلوب هنا على الأقل الوصول إلى مرحلة الحكمة تجهيزا للتبصر. في الغالب، لا توجد امتحانات في مرحلة الدكتوراه. جزء كبير من مرحلة الدكتوراه عبارة عن قراءة أوراق تخصصية، ثم نقاشها. مثلا، على كل الطلاب قراءة ورقة تخصصية قبل حضور الدرس، وعلى طالب من هؤلاء شرحها، وعلى الآخرين مناقشته. وهكذا يتناوب الطلاب الشارحون الذين يتشرشحون أثناء الوقوف من قبل الأستاذ والطلاب. وهاته الأوراق ليست سهلة إطلاقا. تأخذ ورقة من عشرين صفحة تقرأها عشرين مرة لتمسك خيوطها. ومن خلال تعاطي الشارح على قدرته على الشرح والفهم والتفهيم والنقاش، تعطى له علامته - طبعا، بعد ما يطفرون روحه. القضية، ليست بتلك السهولة كما يتصور البعض. ولا نريد أن نخوض في تفاصيل أكثر. ولكن ما نريد أن نوصله للقارئ الكريم أن الجميع يلتزم بضوابط غير مكتوبة؛ مثلا، عدم المقاطعة، البعد عن الحذلقة، احترام الجميع، إعطاء فرصة للآخرين، البعد عن الأمور الشخصية أو طرح القناعات أو محاولة فرضها على الآخرين، ومحاولة مساعدة الشارح وعدم تقصد إحراجه.

لذلك، أنشأنا مجموعة جديدة تحت مسمى «كتاب». يشرف على هذه المجموعة أساتذة جامعيون مخضرمون وباحثون مقتدرون وفلاسفة وأطباء محترفون. وهذه المجموعة تناقش في كل مرة كتاب، لا سواه. ويفضل أن يكون مؤلف الكتاب موجودا بين الأعضاء. يقسم الكتاب لقراءة ثلاثين صفحة يوميا يتم نقاشها من نواح عدة؛ المادة، المفاهيم، الفلسفة، وأحيانا تتعمق النقاشات. الهدف من هذه المجموعة أن يطلع الناس على النقاش الراقي والمشاركة في الحوار والارتقاء مع الباقين. لكل عضو قدرات معينة يستفيد منها الآخرون، كما يستفيد الأستاذ الجامعي من البحار الأمي الماهر في السباحة والصيد. لكل دوره.

لم تؤسس هذه المجموعة لنقاشات جانبية؛ إطلاقا، أو آراء سياسية أو دعايات دينية. أسست هذه المجموعة لرفع مستوى الوعي فيما يوحد الناس ولا يفرقهم. ويحظر نقاش أي شيء يسبب تفرقة. يكون النقاش حكرا على مادة كتاب؛ مثلا، رواية، مادة علمية، فلسفة، منطق، اقتصاد، وهلم جرا. ويستثنى نقاش السياسة، والأديان، والمذاهب، والمعتقدات.

المشكلة أن هذا الأمر جديد على البعض، فلا يتوانى أحد أن يرسل دعاية، أو أمر من مرتكزات عقيدته أو من أعمدة قناعاته. ونحاول ونكرر ونعيد أننا لسنا بصدد هذه الأمور، ولكن البعض يصر. ونحاول بدل المرة ألف أن نُفَهِّم، والبعض للأسف لا يستجيب. نحن لسنا ضد قناعاتك أو عقيدتك. هذه أمور تخصك. ومجموعتنا لم تؤسس لهذه النقاشات التي تملأ فضاء الإنترنت لدرجة الغثاثة والغثيان.

فإن كنت عزيزي القارئ ممن يفيدون أو يستفيدون، وممن يستطيعون ضبط أعصابهم في الالتزام بالمادة، أو كنت من المؤلفين الذين يودون نقاش نتاجهم مع مجموعة نخبوية، تفضل معنا

‏ https://chat.whatsapp.com/HlU5tGVFaPUKR7fIwGjEUv.

سيهات - دكتوراه في علوم الحوسبة و باحث وكاتب مستقل