الظن المأثوم والمحمود
الظن السيئ «ظلم وحقد وحسد» صفة مرَضية وحالة نفسية مذمومة الأفعال، «وساوس شيطانية تعتري البعض، تتغلب على توازنه الفكري، تُسلب منه العدالة»، فتّاكة بالسلوك الاجتماعي، تدمّر حياتنا اليومية ومعاملاتنا التجارية والأسرية وعلاقاتنا العامة تفرّق بين الجماعات؛ السبب اتخاذ متبنّيها الجانب السلبي بين نقيضَين حالتَي اليقين والشك دون إثبات بيِّن، وهذا من المأمورين تجنّبه والابتعاد عنه إن كان في ذات الشخص أو عمله كما هو حال التشكيك في أمانة الموظف، ونزاهة البائع، وبين الزوجين والرئيس ومرؤوسيه، وعند تلقي المادة الإعلامية الصادرة من موقع ثقة معروفة بالصدق دون اتضاح خلافها من مصدر يُعتمد عليه بعد المقارنة بين المصدرين وغيرهم؛ مما يشابه ويدخل تحت هذا العنوان بعض هذه الشكوك، وإن عنت واحدًا لكنها أحيانًا تتعداه إلى مجتمعات حسب مكانة المعني بها، وهناك ظنون محببة محمودة العواقب كظنك بأخيك المؤمن خيرًا، وثقتك بعفة زوجتك والعكس، وأفضلها وأجلّها حُسن الظن بالله تعالى في رحمته لعباده مع كثرة معاصيهم، وقبول توبتهم وإن كبُرت ذنوبهم، وهو خلاف اليأس والقنوط المنهي عنهما، ولا يعني هذا أن الظن السيئ دومًا في غير محله، ولا يجوز إذا كان لحاجة «وإن كان بمسمى آخر» التحري مثلًا «وهذا لا يحمل إساءة، وإنما للتأكيد قبل اتخاذ القرار مع مَن تريد التعامل معه»، وفي حالات يتحوّل إلى وجوب الأخذ به، ولوم تاركه إذا كان لحماية مصلحة مصيرية منتظرة يشارك فيها المظنون به، ولكن من غير تعدٍّ «بقواعد وشروط يُراعى فيها الضمير والإيمان والخبرة مع الإنصاف، وفي حدود بيان الحقيقة، وكتمان النتيجة إن كانت غير مرضية إلا إذا كان فاسقًا وبيانها فيه مصلحة للناس، وهنا بمقدار ما يسمح به الشرع» بعيدًا عن الذوق والكُره والهوى والتشهير أو التشفي والنيل من السمعة بعض الأمور والتعاملات اعتمادها على «الثقة»، ومن غير تأكيدها قد تكون النتيجة مضيَعة لما يُشارك به، وأزيد أبرزها تسليم النفس والمال لمَن ترى فيه الأمانة ظاهرة والقناعة والوثوق به، وباطنه جيفة نتنة من الخبائث حتى إذا ما فتحت له قلبك أغواك إلى ضلال أو سلّمت له مفاتيح خزائنك سلبك، فما نفعك حسن الظن، وقد فرَّطت بجهلك بعدم البحث عن باطنه، اعتمدت على ظواهر عمياء ضلتك الطريق، إذًا لابد من الاحتياط في هذه الحالة، والتوثيق قبل التعامل، فإن رأيته صالحًا أجريت، وإن كانت الثانية أمسكت وحفظت نفسك ومالك «ربما يكون سوء الظن في حالات طوق نجاة»، كلنا على يقين بأن الطائرة لا تطير إلا بعد فحصها للتأكد من سلامتها، ومع ذلك يسقط بعضها، مَن يريد السفر بسيارة يصلحها استعدادًا للمسير، وكم منها تعطلت قبل الوصول، أما إذا كنت بعيدًا ولا يعنيك الأمر بشيء، ولا تخاف الضرر إن ظهر خلاف ما تظن، ولا مِن سبب يدعوك للشكوك، لماذا تسيء وتشهّر بما لا تراه يقينًا؟ ودون ان تُستَشار لتكون الناصح الأمين أو تظن السوء في المجتمع بأكمله تتهمهم بالكذب والنفاق، وتكثر من قول ما يعمل أحد شيئًا إلا لمصلحة ينتظرها «الذئب لا يهرول عبثًا»، كل هذا ليس جائزًا فاحذره وعواقبه «كبرت كلمة تخرج مِن فيك»، أحسن الظن بالجميع حتى يتبيَّن لك أبيضه من أسوده جليًّا واضحًا، وإن استعصى عليك وعندك الشجاعة فأنت محتاج أن تزور طبيبًا متخصصًا في مثل حالتك، يساعدك على التخلص منها.