آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

هل عالمية سلاسل الإمداد من بقايا الماضي «4»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

إجمالاً، كيف تعاملت المملكة مع تحديات ما بعد كوفيد-19، ولا سيما ما يتصل بسلاسل الامداد؟ ما لبثت الحياة أن أخذت في العودة لما قبل كورونا في جنبات عدة من العالم، حتى أخذ التباطؤ الاقتصادي يلف العالم مجدداً تحت وطأة التضخم والحرب الأوكرانية - الروسية. أما تهتكات سلاسل الإمداد فقد بقيت متربصة، فالتصدي لتحدياتها - كما سبق بيانه - لا يتحقق إلا بإعادة النظر في المنظومة هيكلياً.

وعند الحديث تحديداً عن سلاسل الإمداد العالمية، نجد أن المملكة أعلنت قبل نحو شهر عن إطلاق سمو ولي العهد عن مبادرة لسلاسل الإمداد العالمية، والتي تحدد ما ينبغي القيام به من جهود، وتقديم الحوافز المالية وغير المالية للمستثمرين الراغبين في المشاركة بما يحقق تموضع المملكة كمرتكز ومحور عالمي لسلاسل الإمداد.

لا شك أن طموح المملكة في هذا المجال مبررٌ للحد البعيد. والعنصر الرئيسي في هذا يتلخص في موقعها وسط القارات الكبرى الثلاث، فضلاً عن أن تجارة المملكة الدولية، النفطية وغير النفطية، أساسية للعالم بقدر أهميتها للمملكة. فبالإضافة إلى أن السعودية تسعى لمضاعفة الناتج المحلي الإجمالي إلى 6,4 ترليون ريال بحلول عام 2030، من مستواه المتوقع نهاية العام 2022 «3,4ترليون ريال»، مما يستوجب ألا تعتمد السعودية فقط على النفط، فهي تتطلع: «1» لتصدير النفط ومشتقاته، «2» تصدير وإعادة تصدير السلع غير النفطية كذلك باعتبارها مرتكزاً تجارياً رئيساً بين القارات الثلاث، «3» للترحيب بالمستثمرين من أنحاء العالم لتجميع وتصنيع السلع في المملكة وتقديم الخدمات انطلاقاً منها، «4» لاستقطاب المقرات الإقليمية للشركات لتنطلق للعالم من المملكة وبالأخص العاصمة الرياض. أما المبادرة الوطنية لسلاسل الامداد العالمية فهي محرك لتحقيق هذه التطلعات ارتكازاً لمنظور أشمل هو“الاستراتيجية الوطنية للاستثمار”، التي كان سمو ولي العهد قد أطلقها أكتوبر العام 2021.

بناءً على ما تقدم يمكن الخلوص إلى أنه بدلا من الاستمرار بنفس المركزية العالمية لسلاسل الإمداد والتي نمت عشوائياً عبر العقود، فإن الخيار الأفضل هو اتباع بنائية نظام موزع متكامل لسلاسل الامداد العالمية «distributed Integrated Supply Chain System». أما التحدي الرئيس هنا فيكمن في أن بعض الدول قد لا تمتلك رؤية أو اهتمام وبالتالي تفتقد للتوجه الاستراتيجي وللاستعداد للمشاركة في نظام من هذا النوع، كما أن بعض الدول قد تمتلك الرغبة لكنها لا تمتلك الموارد ولا السعة المالية. وإقامة نظام من هذا النوع يتجاوز تماماً الحالية من ارتباط وثيق بين المُنتِج وسلاسل الامداد لحد أن بعض الشركات تمتلك السلسلة“من - النهاية - إلى النهاية”أو أن تقوم هي بتوزيع المنظومات التي تمتلكها اقليمياً ثم تربط بينها عالمياً. لكن هذا النهج ثبت أنه يتعارض مع الكفاءة، وأنه يُخرِج الشركة عن دائرة نشاطها إلى الأنشطة المساندة، تماماً كما كانت الشركات تصر سابقاً أن تمتلك مركز بياناتها والخوادم، والآن تعتمد اعتماداً استراتيجياً على الحوسبة السحابية“يساراً ويميناً وفي الوسط. ”

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى