تطور خطر في الأزمة الأوكرانية
في حفل مهيب أخذ مكانه في موسكو بمبنى الكرملين، ووسط تنديد شديد من قبل أمريكا والدول الأوروبية، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً بضم أربعة أقاليم أوكرانية، هي لوغانيسك ودانيسك وزباروجيا وخيرسون، للأراضي الروسية. وفي خطابه بهذه المناسبة، أعلن بوتين أن هذه الأقاليم باتت إلى الأبد جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الروسية، وتعهد بالدفاع عنها تماماً كما يتم الدفاع عن موسكو. وطالب نظيره الأوكراني بالعودة إلى طاولة المفاوضات. وقد رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي دعوة روسيا للعودة إلى طاولة المفاوضات، وأعلن أنه لن يدخل في أي مفاوضات مع روسيا، طالما بقي بوتين في سدة الحكم. وفي رده على الخطوة الروسية، تقدم الرئيس الأوكراني بطلب عاجل للانضمام لحلف «الناتو».
من جانبه اعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن، الخطوة الروسية، عملاً مخجلاً، وتعهد بعدم الاعتراف مطلقاً بضم الأقاليم الأربعة للدولة الروسية، وأكد أنها انتهاك واضح للقانون الدولي، ومبادئ الأمم المتحدة، واعتداء سافر على سيادة أوكرانيا. وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن بلاده اتخذت مع مجموعة الدول السبع إجراءات سريعة، رداً على ضم بوتين لأقاليم تابعة لأوكرانيا، وهدد بأن العقوبات الجديدة التي ستفرض، ستشمل الدول التي ستعترف بالخطوة الروسية.
أما الاتحاد الأوروبي، فقد صرح ناطق باسمه، بأنه لن يسمح لبوتين بتغيير الخارطة الأوروبية، وأنه لن يتم الاعتراف بهذا الضم غير القانوني. وفي السويد، صرح رئيس الوزراء، بأن الأقاليم التي ضمتها روسيا، هي ضمن السيادة الأوكرانية. وتوالت تصريحات معظم الدول الأوروبية في هذا الاتجاه.
وليس من شك في أن ضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة، إلى روسيا، هو رد مباشر، على الانتكاسة العسكرية الروسية جنوب شرقي أوكرانيا، بما يتيح للقيادة الروسية اتخاذ قرارات حاسمة، باستخدام أسلحة استراتيجية متقدمة، لحماية روسيا ومواطنيها من العدوان، من وجهة النظر الروسية.
وليس من المستبعد أن تكون إدارة بوتين، قد وضعت في الاعتبار، ما يلحقه ضم هذه الأراضي لروسيا الاتحادية من تأثير كبير في إضعاف الخصم الأوكراني اقتصادياً؛ كون تلك الأقاليم غنية بالموارد الطبيعية، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نحو 70% من ثروات أوكرانيا، تتركز في تلك الأقاليم، فضلاً عن أنها تشكّل عقدة مهمة لشبكة المواصلات البرية والبحرية التي تمر بها صادرات البلاد إلى البحر الأسود، وصولاً إلى الشرق الأوسط وبقية أنحاء العالم.
وسيكون من شأن اقتطاع هذه الأقاليم منها، إضافة قوة اقتصادية لروسيا، في وقت تتعرض فيه للحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة من الغرب.
الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، على الرغم من شجبها واستنكارها للخطوة الروسية، فإنها لم تُحدث تغييراً جوهرياً في استراتيجياتها تجاه أوكرانيا. فهي لا تزال تتمسك بأن الحرب الروسية الدائرة على الأراضي الأوكرانية، ليست حربها، وأنها لن تنجّر إلى الانخراط المباشر فيها؛ لأن ذلك يعني اشتعال حرب عالمية ثالثة، ليس بمقدور البشرية تحمل كلفها، لكنها على الصعيد العملي تعزز دعمها العسكري لأوكرانيا، وتمنحها أسلحة أكثر قوة وقدرة على إحداث توازن عسكري في حربها مع روسيا.
الطلب الأوكراني العاجل بالانضمام إلى حلف «الناتو»، لم يقابل بشكل إيجابي من الغرب. فقد سارعت ألمانيا إلى رفضه، واعتبار توقيته غير ملائم. وفي أمريكا صرح ناطق باسم البيت الأبيض، بأن ضم أوكرانيا لحلف «الناتو» في هذه المرحلة، يعني انخراط الحلف في هذه الحرب، بما يهدد باشتعال حرب نووية، ليس من مصلحة أحد اندلاعها، لذلك فإن أمريكا في الوقت الذي تقدّم فيه الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي لأوكرانيا، إلا أنها تتردد في قبولها عضواً في الحلف، وتُرجئ ذلك إلى ما بعد توقف حربها مع روسيا. وفي الوقت ذاته تواصل تحريضها الرئيس الأوكراني على مواصلة القتال، حتى آخر جندي أوكراني، وعدم الخضوع للمطالب الروسية.
وتأتي هذه الأحداث وسط عملية تخريب متعمدة لخطوط الإمداد في الغاز الروسي للقارة الأوروبية، حيث شهدت مياه بحر البلطيق، تسرّباً للغاز في أربعة مواضع مختلفة من خط أنابيب «نورد ستريم»، وفق إعلان صادر عن الحكومتين السويدية والدنماركية. وعلى الرغم من عدم تبني أي طرف لهذه العملية، فإن ذلك لا ينفي أن فاعلاً ما قد نفّذ هذه العملية، وأنها تأتي في إطار الحرب التي تدور رحاها، الآن، بين روسيا وأوكرانيا.
التصعيد المتبادل بين روسيا، وغرمائها في أمريكا وأوروبا، والتهديد باحتمال استخدام أسلحة نووية تكتيكية، يشكّلان تهديداً خطراً للسلم العالمي، ويضعان العالم بأسره في أتون حرب لا تُبقي ولا تذر.