علَّمتني الدكتوراة
إنّ ما تعلمته خلال سنوات دراسة الدكتوراه، يتجاوز مسألة تعلم الطرق البحثية المنهجية وموضوع البحث الدقيق، ليُؤثِّر على شخصيتي وكافة شؤون حياتي، هناك العديد من الأمور التي لاحظتها خلال هذه المرحلة، ما بين دروس جديدة وقناعات وأفكار تعززت عبر خوض هذه التجربة، في هذا المقال أسرد أبرز 10دروس تعلمتها من الدكتوراة.
علمتني الدكتوراة أن الطموح هو وقود النجاح وأفضل الدوافع الذاتية، هو وقود الإنسان للعمل والمضي نحو أحلامه، هذا الطموح هو ما يحركنا ويحثنا على العمل، وبدونه يبقى المرء مرهونا بالدوافع الخارجية المؤقتة وغير المضمونة.
علمتني الدكتوراة أن التخطيط أساس لا غنى عنه للإنجاز، وهذا التخطيط والتصور المستقبلي وجدولة العمل يجب أن تأخذ في الحسبان أننا بشر، تؤثر علينا الظروف الاجتماعية المتنوعة وتقتحم جداولنا العديد من الحالات الطارئة والظروف القاهرة، فالتخطيط الاستباقي وتحديد مواعيد إنتهاء متقدمة على موعد التسليم الرسمي، وفّر لي حرية ومساحة عمل منخفضة الضغوطات.
علمتني الدكتوراة أن المواظبة والالتزام أحد مفاتيح النجاح الرئيسة، نحتاج للمواظبة ومواصلة تحقيق الانتصارات الصغيرة حتى نصلَ لتحقيق الانتصارات والانجازات الكبرى، لكن هذا لا يتحقق إلا بالصبر.
علمتني الدكتوراة أن الصبر على النتائج بعيدة المدى، هو ما يدفعنا لسقي بذور النجاح حتى تنبُت، فقد أقرأ هذا العام مجموعة كتب وأبحاث لا ينعكس أثرها عليَّ بشكل ملحوظ إلّا بعد سنوات.
علمتني الدكتوراة أن هذا الالتزام والصبر لا يستمر دون وجود شغف لما نقوم به، هذا الشغف الذي يقودنا للاستمتاع بالرحلة، تعلمت أن أستمتع بالرحلة وأعيش اللحظة، ألّا أنتظر حتى النهايات لأحتفل، فلذة التجارب في التفاصيل الصغيرة، والأحداث والتحديات اليومية التي نواجهها، وليس في مخرجات ونتائج هذه التجارب فحسب، ما هو أجمل من تحقيق أهدافنا الكبرى، هو سعينا لتحقيق هذه الأهداف، تعلمت الاحتفاء بالأمور الصغيرة، والامتنان للنعم التي قد نظنها بسيطة، لأنها تتكرر علينا وتضيع في فيض نعم الله علينا!
علمتني الدكتوراة الاستماع الجيد والتعامل مع الانتقادات والملاحظات، الإصغاء برغبة الفهم، لا الانتظار لأجل دورنا في الحديث والرد، امتصاص نقد لاذع وتحويله لعامل تميّز، الدفاع عن فكرتي ونتائج بحثي بهدوء وتجنب الاستفزازات التي تبعدنا عن العقلانية، بعض المواقف تتطلب الرد المباشر، وبعضها يتطلب المرور عليه مرور الكرام وعدم التوقف الطويل عنده.
علمتني الدكتوراة بعضا من إدارة العلاقات الإنسانية ضمن الفريق الواحد، وكيف للنزعة البشرية الأنانية أو المتعالية أن تطغى على البشر، وكيف أن الحساسية التنافسية تزداد بين الخبراء والباحثين في ذات المجال بالتحديد، والأهم هو استمرارية العمل، وضمان سيره عند اختلاف آراء لجنة البحث على سبيل المثال.
علمتني الدكتوراة النظر لكافة الأمور من منظور واسع وأكثر شمولية، فلكل شأن خبايا نجهلها وما نملكه من علم حتى في مجال اختصاصنا يبقى محدودا لإطلاق الأحكام المطلقة، فالتريّث والنظر للأمور من مختلف الزوايا وأخذ مجموعة العوامل في الحسبان، أمر يحتاجه المرء لاتخاذ قراراته في أي مجال كان.
علمتني الدكتوراة أن الإنجاز أفضل من الكمال، والكمال لله، فما هو مطلوب منا في مرحلة الدكتوراة على سبيل المثال، هو إتمام رسالة بحثية متكاملة، وليس أفضل بحث في هذا الكون، السعي للكمال والرغبة في المثالية قد يُعطّلان الإنجاز، والمطلوب هو الموازنة بين الرغبة في إتمام المهام والسعي لكمالها.
علمتني الدكتوراة وزادتني يقينا أن طلب العلم لا ولن ينتهي، وأن الدكتوراة تعطي الإنسان أساسيات البحث العلمي ومنهجياته للانطلاق في بحور العلم ليس إلا، كلما قرأت واطلعت كلما ازداد علمك بجهلك! هذه عبارة واقعية لأبعد الحدود وتنطبق على كل مجالات الحياة العلمية والعملية، فالتطوير والتحسين مسار لا نهاية له.