آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 7:09 م

عدنان الصائغ .. الشاعر الذي أرخ للإبداع

أحمد اللويم

اسم بحجم ما يضطلع به الإبداع بكل مقوماته التي تجعل الأنامل تشير إليه،

اسم علق في سماء التميز بشاعريته أنجمه ملء فضاء الشعر حيث لا تخطئه عين المتلقي فضلا عن عين الناقد،

اسم إذا قربت منه يشعرك حامله بشفافية عالية، وتواضع أخاذ يكسر حواجز قد يقيمها غيره ممن توهم أن المبدع من لوازم إبداعه أن لا يتخطى حدوده الأغيار،

عدنان الصائغ إنسان كبرت الإنسانية في عينه فآلى على نفسه إلا أن يكون صوتها إن خنقت صوتها الانكسارات التي أجهدت مراياها عقبى اختطاف الوهج الذي يمرر صور الجمال الكوني بأبهى حلله وأزهى ألوانه،

على مدى أربعة أيام نحن في ملتقى ابن المقرب الأدبي هيأت لنا الفرصة أن نلتصق بهذا الشاعر الكبير التصاق القلب بالقلب كالتصاق الجفن بالعين، أن نفتح كوى على عوالم من عبقرية الحديث التلقائي معه لنكتشف أكثر وأكثر أن المبدع الذي ملأ الأرض بشعاعه المتفرد يملك حسا ترابيا يدعوك لاقتحام برجه دون استئذان، هل مطلوب ذلك؟ ربما لا، ففي ذلك تقحُّمٌ لخصوصيته، ولكن أنى يكون الشاعر إنسانا إلا بما بنيت عليه تجاربه الإنسانية؛ فالشاعر ابن السماء النابت من أديم الأرض شجرا لا تتساقط أوراقه ولا تصفر إلا بما تنفث في المشاعر من أكسجين الإنسانية،

تصفح أيا من دواوينه ولتلق سمع قلبك لصوت الناس وهو يخرج من حنجرة الشاعر لا صدى بل حقيقة؛ يقول وقد مر بإسكافي كهل، من ديوان تأبط منفى:

جالسًا
على الرصيف
أمام صندوقه

يرنو
لأيامه التي
ينتعلها الناس

واقرأ له ألفة في تأبط منفى أيضا:

متكئا في ورشته
يصنع هذا النجار الكهل
توابيتا للناس
ينسى التفكير بموته
الألفة تفقده الإحساس

عدنان الصائغ الذي يوقفه كهل إسكافي وكهل نجار ليعبر من خلالهما في موقف لا يتعدى ثواني لعمر طوياه؛ والذي استطاع من خلال تقنية التكثيف أن يستل ما يوقف المتلقي على بوابة مشرعة من التأويلات؛ أقول لا شك أن عوامل أكسبته قدرة على استبطان الماورائيات التي تحتاج لمعالجات فكرية ونفسية وفلسفية لسبر أعماقها، مما يستدعي حساسية عالية لا يؤتاها إلا شاعر وجد في الشعر جسرا يعبر من خلاله لهيولى الأشياء؛ ولنفتح قوسا نعدد هذه الأشياء التي تعتمد على اكتشافات الشاعر، وإن بدأت بالكون والإنسان ولم تنته حتى بزهرة ذابلة نسي صاحبها أن يسقيها فذبلت،

عدنان الصائغ أمام منجزه الإبداعي لن تقف عجلة النقد عن الانطلاق بتؤدة لاكتشاف أن ما أبهر المتلقى وراءه ما ينذر بمفاتيح أخرى لأبواب مغلقة لا يسبر ما وراءها إلا الناقد الحصيف وما تكشفه الأيام من تضافر جهود لقراءة نتاج هذا الشاعر قراءة خالصة لوجه الإبداع،

الشاعر عدنان الصائغ وكأنه خلق شاعرا وحسب، يكتب الشعر بكل صوره العمودي والتفعيلة والنثر، ولم يرتج عليه باب في أحدها فهو مبدع فيها، استطاع تطويع اللغة في الألوان الثلاثة، فالشعر لديه هو الشعر متلبسا بالحالة الشعورية التي تنزاح للون المتوافق للتجربة لحظتها وكأن النص بكل اشتغالاته التي تؤطر له قد هبط وحيا من وراء المتافيزيقا،

يبقى ملمح لابد من الالتفات إليه ألا وهو حضور الوجع والغضب مما مر به العراق وطنه، فتراه يفرغ عن تراكمات هذا الوجع يمعن في تشكلاته وتحولاته إلى درجة تعصى على الترجمة كما سمعت من الشاعر وهو يتحدث عن ترجمة إحدى قصائده للغة شعب لم يجرب ما اختطته ريشة الأقدار على شعب العراق، يقول عدنان الصائغ في نصه «العراق»:

العراقُ الذي يبتعدْ
كلما اتسعت في المنافي خطاهْ

والعراقُ الذي يتئدْ
كلما انفتحت نصف نافذة
قلتُ: آهْ

والعراقُ الذي يرتعدْ
كلما مر ظل
تخيلت فوهة تترصدني
أو متاهْ

والعراقُ الذي نفتقدْ
نصف تاريخه أغانٍ وكحلٌ
ونصف طغاهْ

عدنان الصائغ من التجارب التي لن ينفضَّ عنها السامرُ إلا وفي جعبته أسئلة لم تصل لإجابة حقيقية إلا من خلال معاودة قراءته من جديد،