آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

الإنتاجات الكتابية بين الفردانية والجمعية

سبق لي المشاركة الكتابية في ثلاث كتب قبل أن أسلك طريق التأليف الفردي، وحتى نصل إلى أمر ذي قيمة يجدر بنا المصارحة لبلوغ الأهداف، ولنبدأ بهذا السؤال العفوي: ”لماذا يفكر بعض الكتّاب في حصد الجوائز وكسب الشهادات والألقاب؟“، لا نتحدث عن الكتّاب المعاصرين فقط، فهناك من يطمح لكسب لقب «أمير الشعراء»، بعد شوقي، وهناك من يرنو لخطف جائزة البوكر بعد الفائزين المعاصرين، لا نرى في مثل هذه الأمنيات عيبًا، ولكن نطرح بشفافية لنناقش الأولويات، أيهما أكثر نفعًا الإنشغال بكسب ما يعود للنفس وحسب؟، أم ينبغي التركيز على ما ينفع الناس؟، نطرح هذا السؤال الهام لكون المسيرة ستختلف والعطاء سيتغير، قد يقول قال: ”لنربح الثمرتين“، وهو رأي صائب لو نظرنا له من منظور أولي، إلا أنّ الوقت لا يكفي دائمًا لقطف الثمرتين لاسيما إذا تناكر المذهبان، ونقول بهذا القول، لأن المكاسب الذاتية تتعارض في كثير من الأحيان مع المكاسب الجمعية، ليست النظرة ماركسية شيوعية بقدر ما أنّ النفوس تمر وتمضي عن هذه الحياة وتترك الأثر قبل الرحيل.

فلماذا لا نسلط الضوء على طبيعة نوع الإنتاج؟، الكاتب قد لا يدرك ما ينبغي إدراكه أو أين ينبغي له أن يضع قلمه فيه ويصرف وقته لأجله، لهذا يتخاصم القرّاء والكتّاب على طبيعة ما تم انتاجه، فما الذي يجدر الاهتمام به بعيدًا عن الأدلجات والأطر الضيقة؟، أتلمس روعة أقلام بعض الكتّاب، وأشير لبعض الأصدقاء بضرورة كتابة كتاب ما لكونهم سيقدمون الجميل فيه، وأنا شخصيًّا تلقيت الكثير من العروض المقترحة لأكتبها على شكل كتاب أو رواية، البعض لا يقبل الإملاءات الخارجية وقد يراها استنقاصًا من قدره أو تطفلًا على شؤونه، لا أظن أن النرجسية هنا صائبة، بل من المهم التشاور، فالكاتب مكسب حضاري لأمته وللعالم بأسره وليس له كفرد، وقد تلمسنا بوادر إشراك بعض الكتّاب لجمهورهم فيما يكتبون أو ينوون كتابته، على الرغم من ريادة الفكرة إلا أنّ لها مكاسب وعليها عيوب وقد يشوبها ما يشوبها، فليس كل من يشير يصيب كبد الحقيقة، بمعنى أنّ هناك غث وسمين، ونحتاج لغربال أفكار، والأجمل أن تتكون مؤسسات كتابية تعاونية مختصة ترشد الانتاج الكتابي، ولو في بعض أقسامه، لماذا لا نرى الكتب المشتركة العربية على سبيل المثال؟، أغلب الإنتاجات العربية فردية التأليف وهذا يعكس حالة من القطيعة وعدم الثقة التامة بين الكتّاب، بينما في الغرب نرى أنّ هناك العديد من الكتب القيمة والنافعة والمؤلف فيها طاقم طويل من الكتّاب والباحثين، أظن أنّ هناك مشكلة ما تمنع من تقديم النافع المشترك على الانتاج الفردي لدى المثقفين العرب بشكل عام.

هناك مشاريع كتابية قيمة وضخمة لا يحتمل انتاجها مؤلف يتيم، ولا تتم إلا بتكاتف الأكف، بالفعل ظهرت نماذج مشرفة، منها: ”الموسوعة العربية العالمية“، التي وقعت في 30 جزءً، أظن أنه من الصعب انتاج موسوعات من انتاج أفراد، نقول من الصعب وليس من المستحيل لكون المسيري وابن منظور وسواهما حققوا روائع في هذا المجال، فهل سنشكل لجان تقوم على مثل هذه الانتاجات القيمة؟، لا نتحدث عن انتاج موسوعات فقط، بل عن انتاجات كتابية رصينة ومتقنة في شتى الميادين والمجالات، مثل هذا الحديث يقودنا لضرورة تكوين مجاميع فكرية وثقافية، هدفها تغليب ما هو لصالح البشرية ويستحق البقاء والخلود، على ما هو آني وفردي ويزول بزوال أصحابه.

إداري في مركز التنمية والإبداع-خريج جامعة الملك فيصل بالأحساء «العوامية».