في حفل تكريم شيخ الشعراء الخنيزي
بعد حضوري حفل تكريم الأديب الفاضل محمد سعيد الخنيزي زادت قناعة أكثر وتحفظ الكبير على عبارة ”هو غني عن التعريف“ التي اعتاد البعض ترديدها، ويكبر هذا التحفظ عند الحديث عن قامة أدبية مثل الأديب الخنيزي، فهذه الشخصية المميزة وإن كانت معروفة ومقدرة، إلا جيلاً على أقل تقدير يجهل الكثير عن هذه الشخصية بل لا يكاد يعرفها أصلاً، كما أنه من غير المنصف أن تكون الشخصيات الأدبية مثل هذه القامة محصورة داخل النطاق المحلي فضلا عن حيز في النطاق المحلي الأضيق، وكأن هناك تعهد وتواصي أن تبقى شخصيات المنطقة محصورة في مثل هذا النطاق. أن هذه الأرض ولادة وحري أن يظهر سناها على المستوى العربي، لا سيما وأن المملكة الآن تخطو خطوات عملية كبيرة تسعى من خلاله إبراز كل طاقاتها البشرية المميزة، ولا ننسى أننا اليوم في عالم التقنية الذي ربط العالم ببعضه، سهل سبل التواصل بكل أشكاله وصوره.
لقد قيًض الله لهذه الشخصية الفذة مجموعة خيرة من ذويه ومحبيه ليأخذوا على عاتقهم إقامة هذا الحفل الرائع الذي أعطى لهذه الشخصية جزء من حقها، وفي هذا رسالة مهمة وجرس لكل المحيطين بالشخصيات المميزة في بلدنا لأن يكون لهم دور في التعريف وحفظ تراث تلك الشخصيات التي يعرفونها أكثر من غيرهم، لا أن تبقى ونحن في هذا العالم الواسع حبيسة التقليدية في التعاطي معها، وكأنها تلقى ظلم ذوي القربى الأشد مضاضة.
أخبرني أحد مرتادي مجلسه وهو في عمر أحفاده كيف أن أريحية هذه الشخصية وحبها ودعمها للشباب خرق كثير من الحواجز الوهمية، فليس لدي الأديب الخنيزي أي تحفظ - مثلاَ - في المبادرة واستشارة الشباب حتى ولو كان في عمر أحفاده، بل ليس فقط الاستشارة بل حتى الأخذ برأيه وهو ما حدث معه شخصياً. كما تحدث لي أحد منظمي الحفل عن حرص الأديب الخنيزي نفسه على متابعة تنظيم الحفل وتوق الروح الشابة لديه لحضور الحفل لولا العارض الصحي الذي يمنعه. أورد هذه الأمثلة لأربطها بالموضوعات التي احتواها ديوانه ”مدينة الدراري“ الذي يفيض إنسانية ورومانسية قد تكون غير متوقعة من شخصية ولدت قبل قرن من الزمان، ودرست دراسة دينية تقليدية. فهذه الشخصية كما في الديوان تخاطب الشباب قبل ما يقارب النصف قرن بلغة إيجابية حانية، مستخدمة كلمات عصرية وكأنها لغة اليوم، وتكاد تغيب عن ديوانه الكلمات ذات الطابع الديني وهو ابن عائلة علمية دينية معروفة، كما تناول الأحداث المعاصرة - في تلك الفترة - التي هي خارج الإطار المحلي وغير المعتاد التطرق لها، إضافة لنظمه الشعر في ابنته وزوجته وأمه في فترة يعد من النادر الذي لا حكم له.
بالأمس اكتست القطيف رونقها الأدبي المعروف عنها، وأن إن شاء الله يكون احتفال الأمس هو إيذاناً بعودة الاحتفالات والأمسية الأدبية والشعرية التي كانت سائدة في القطيف، القطيف التي كانت تتعاطى الشعر والأدب كخبز ثقافي يومي يتعاطاه الجميع باختلاف فئاتهم، فمناسبات الأفراح والأتراح والمناسبات الدينية هي نفسها كانت محافل للشعر والأدب، فضلاً عن المجالس الخاصة التي عادة ما تأخذ الطابع الأدبي.
خلال هذا الحفل شاهدت حجم الجهد الذي بذله منظمو الحفل، فجودة التنظيم كانت واضحة والتنوع حتى في الفئات العمرية التي شاركت في الحفل، وكذلك شخصية عربية وهبت نفسها للقطيف منذ عشرات السنين كان لوجودها طعم خاص، وكذا الحضور الكريم الذي حضر تكريماً لهذه الشخصية المميزة. حفظ الله الأديب الخنيزي ومتعه بالصحة والعمر مديد.