آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:54 م

قصة قصيرة

الشاب الذي أحبني

عبد الباري الدخيل *

مرّات عديدة يصرّح لها بحبه، ويطلب منها أن تُفصح له عن مشاعرها تجاهه، لكنها كانت تكتفي بابتسامة صفراء أو نظرة حنونة، وتغادر.

ذات صباح حاصرها بالأسئلة:
”تحبيني؟“
”تتزوجيني؟“
ابتسمت كعادتها ثم قالت: ”متى بتتزوجني؟“
قال وقد أشرق وجهه فرحًا: عندما أصبح رجلًا كأبي.
مسحت على رأسه وقالت: أوافق لكن بشرط.. وأكملت والذهول يملأ عينيه: أن تكون مؤدبًا ومجتهدًا، وتأكل وجبتك لتكون قويًا.

راح يركض والبهجة والسرور تتدفقان من بين عينيه، وابتسامته المرسومة تكشف عن أسنان كعقد ياسمين.

ذهب فرحًا وهو لا يعلم أن الطفل الذي يقف بجانبي هو ابني «عبدالله»، كيف ستكون ردة فعله لو علم أنني متزوجة؟

بقي «حسن» يجدد وعده لي بالزواج، ويأخذ مني المواثيق والعهود على أن نتزوج بعد أن يكبر ويعمل طبيبًا أو طيارًا.
والغريب أنه أصبح يغار عليَّ إن رآني أهتم بطفلٍ آخر فيسألني:
”من هذا؟“
”تحبينه؟“
مرة قال لي وهو يحرك سبابته: اجلسي فقط مع البنات.
قلت له: أنت ولد.
قال بحزم: لكنني أحبك.. ثم حرّك يده كسيف يهوي على مجرم: ونحن سنتروج.
قلت له: إنني معلمة في الروضة، وهؤلاء الأطفال مثل أولادي، ورعايتي لهم مسؤولية.
قال: أنا لست طفلًا، أنا ”رجّال“.

ومضت سنة دراسية كاملة وأنا معه على هذه الحال، ويوم تخرجه بكى بمرارة لأنه لن يعود يوم غدٍ للروضة ويراني، وعندما وعدته أن أزورهم في البيت، هدأ لكنه وضع شرطًا: «تتعشين معانا؟».

«حسن عبدالله» هذا الاسم هو عكس اسم ولدي «عبدالله حسن»، لهذا أصبح مسجلًا في ذهني كلما مرت الأيام أبرزته الذاكرة لأصنع من أحاديثه قهوة تعدّل مزاجي الذي قد تخلخله الأيام.

وتمر الأيام مسرعة وتختلف الوجوه التي تمر علينا، وتزداد المواد المخزنة في الذاكرة، وليتني أتمكن من شراء ذاكرة إضافية لتخزين كل هذه الذكريات، وليتنا نستطيع حذف المؤلم منها والإبقاء على اللحظات الجميلة، نخبئها بين الصور والأصوات، ونطعمها لقلوبنا حين ينتابها الحزن.

ولا بد للصغير أن يكبر وتأتي اللحظة التي يرتدي فيها «عبدالله» عباءة التخرج، وأقف رافعة رأسي أنظر لفلذة كبدي يتقدم بخطوات واثقة على خشبة المسرح ليتناول شهادته من يد أمير المنطقة، وينزلني من علياء غيومي الاسم الآخر الذي ارتبط بهذا الاسم معكوسًا، فقد تخرجا في يوم واحد.

اقتربت من أمه وهنأتها، وكشفت لها عن لثام اسمي، فتهلل وجهها فرحًا، وتعانقنا ولغة الشوق تمسك بأيدينا وأعيننا.

وعندما حضر «حسن»، قالت له أمه بعد عناق طويل: لقد جاءت أبله «مريم» لتشاركنا فرحة التخرج.
فزاد جماله ما تزيّن به من خلق وحياء، ولعلّه تذكر وعده لي.

يا الله.. طفل الأمس أصبح اليوم شابًا بشارب ولحية، ويحتفل بتخرجه من الجامعة.