أمي من فريق الأطرش «13»
سلام على قلوب تنشد الوصال قربا، وترنو للقاء الأحبة كرما وودا، تصغر المسافة وإن بعدت، فالشوق بوصلة حب ولهفة، الخطو هين والإقدام سبق، فمراد العطاشى ارتواء في حضرة نفوس الطيب والطيبة.
للوصل قيمة وألف معنى، سطره الأولون بأروع أمثلة.
جدتي كثيرة التواصل مع قريباتها وصاحباتها، ولديها صديقة من السنابس، عزيزة عليها، تزورها من حين لآخر، تتبادل معها الهدايا والزيارات، هي امرأة معروفة أشهر من نار على علم، تدعى «آمنة بنت محمد علي آل درويش» محبوبة الجميع، ساعية للخير، شخصية ودودة، بارعة في كل شيء، منزلها تقصده الكثيرات
من سكان الجزيرة، خياطة، حناية، خضابة، ولادة، مراخة، معالجة بالأعشاب، تنظر للعين أو القرح أو الدم النازف فتشخص نوعية المرض وتصف العلاج.
ذات مرة نوديا عليها لإنقاد شابة تتنازع بين الحياة والموت بعد سقوط نصف جسمها داخل بئر، اصطدم بطنها بالبكرة الحديدية التي يجر عليها حبل الدلو، فأحدث شقا عميقا بطول شبر عند الخاصرة، فتدلى جزء من أحشائها خارجا، انتشلت وهي تسبح في دمائها، غائبة عن الوعي، وبكل براعة وشدة بأس قامت آمنة بمساعدة بناتها، بإدخال المصران بعناية، ثم أخذت خيطا وإبرة ”مسلاة“، لمة جرح البطن وخاطته بإحكام، نجت المرأة من الموت، وعاشت طول عمرها تترحم على بنت درويش، المغسلة، المعالجة والمداوية والطبيبة، تجبر الخواطر والكسور والجروح، ولا ترد للناس حاجة.
هذه الإنسانة البارعة التي تكنى ب ”أم حسن“ ذات علاقة قوية مع جدتي، تجمعهما صداقة متينة، بمثابة الأخوات، كلتاهما تزور بيت الأخرى، من جدتي طيبات الزرع ومنتوجات البقر، ومن آمنة الطبابة والعلاج، وقبل هذا وذاك ألفة قلوب وطيبة أنفس لامتناهية.
حدثتني والدتي كثيرا عن طفولتها متقلبة بين الفرح والحزن، ورسمت لي مشاهد من معاناة مرت بها، فحينما بلغت سن السادسة إلا قليلا، تقاطر الدم من أنفها بين يوم وآخر، تتلون ملابسها عند جيب الرقبة بالأحمر القاني، يقوم والدها بنشر قطعة قماش مبللة من ماء الشربات الباردة ثم يضعها على رأسها، يهدأ الأنين، وعيناها مغمضة وهي ترتجف من وهج الألم والحر، يتوقف الدم مؤقتا بحلول الليل، يعاود النزول مع اشتداد شمس الظهيرة، نزف بدأ من هلال رجب مارا بشعبان حتى إطلالة رمضان.
صغيرة تعاني الأمرين مرض يتفاقم وحرارة ”گيض“ لاهبة، وزاد الطين بلة، بعد أن امتلاء وجهها بالقرح والدمامل، ودوائر أخرى منتفخة تحت سقف الحلق، واجهت صعوبة في بلع الطعام، تريد أن تأكل ولكن اللقمة عسيرة على المضغ.
طفلة شكل المرض ملامح وجهها بؤسا، عيناها ذابلتان والوجه في خفوت وذبول، تجرجرها بنات خالها للعب، لكن دون فائدة، جسمها فاقد الحيوية، حالها يزداد سوء يوما بعد يوم.
ذهبت جدتي ليلى من ”غبشة“ الصباح للسنابس وأخبرت صديقتها آمنة بنت درويش عن حال بنتها بوصف كامل، بعد نقاش سرت طمأنينة والموعد غدا، أتت المعالجة الشعبية لفريق الأطرش مع تباشير شمس أول يوم في شهر رمضان، دخلت البيت العود ”آل زرع“ الذي يضم جدتي وحبابتي وخيلان أمي، مبني حديث مشيد بحجر البحر والطين بعد هجران منازل العشيش، عاينت الحاجة آمنة دم الطفلة مريم ونوعية لزوجته وهي تتأوه قالت: هذا «دم لنغيفة» وعاينت الفم، فوجدته ممتلئ ب «الغرائر»، تفحصت الوجه تقلبه يمينا وشمالا، كله طافح بالقرح الأحمر والمندمل لونه أسود، قالت إلى جدتي: ”هذا مرض «لنويرة» يا أم علي ترى مريم مصابة بمرضين لازم نداويها الحين العجل العجل“ همس كلام بعيد عن آذان الطفلة، تداول وقبول واتفاق وترتيب، أتت امرأتان للمعاونة و”الفزعة“، تحلقوا حواليها، وأحاطوها ”بوناسة“ وطرب، حناجرهن تنشد أهزوجة فرح، ليس هذا موعدها، إنما لإشغال البراءة عن المهمة المرتقبة:
"صباحك الخير يا نجمة سهيل.. قبل لايزگزگ الطير،
الطير له جناحين وأنت لك نبأ الخير،
صباحك صباحين.. صباح الكحل في العين، صباح الناس
نوبة.. وصباحك ألف وفتين، صباحك ألف جونية وألف ريال مرمية، ومهرك ترست وزار وسور أبوك العالي، صباحك ألف مهره.. خيال وراعي، أبوك فوق مهره يدور لك مساعي ".
دندنات والمقص يجز جدايل الشعر ”لصخالي“ جزا، ومن الأذنين خلعت التراكي، هدية الحج من خالها حجي عبدالله آل زرع، ثم جرى الموسى على تضاريس الرأس تنظيفا وتلميعا، تتلمس الطفلة هامتها بأناملها، مستنكرة، بكت ”ايلاويش حستوني چديه، سويتوني گرعة كأني صبيوه“ ترفع بأناملها بضعة شعيراتها المترامية على حضنها وأقدام الكبيرات، تنظر بتحسر كمن يودع زرعا ينصرف عن ناظريه! دجاجات «الحوي» تلتقط أوراق المشموم من بين خصلات الشعر، عينيها تبرق دمعا، ثم أمسكت بها أمها وزوجة خالها حجي حسن، والجارة أم محمد عيسى بن سالم، ثلاث ستات وستة أيد توزعت على كامل الجسد لضبطه عن الحراك، قبض على الأرجل والأيدي ومسك الرقبة والرأس، المسلاة حامية باللهب - إبرة طويلة - جاهزة لبدء المعركة، تضعها بنت درويش مرة في النار ومرة على الفروة نقط متجاورات مشكلة خط دائري حول المحيط العلوي من الرأس مارا بالجبهة، شهقة أنفاس طفلة مع كل لسعة نار، يرتفع إيقاع البكاء عاليا عاليا، والتوتر سيد الموقف، بنات خالها الصغار فزعن، خائفات، عيونهن مشتتة والنظر حائر.
الآن جاءت اللحظة القاسية، الصعبة، الحادة، وضع محش ملتهب أشد وطأة وأعنف حرارة فوق محيط رأسها، صراخ افزع طيور السماء، غاب الصراخ في الصراخ، أنفاس الأمهات مكتومة، قلوبهن تتوجع وما في الأمر حيلة، يشفقن عليها بالتسبيحات والصلوات والأدعية، ألقى المحش أرضا والإبرة معا، أطفأت نار الحطب، انقضى طقس الكي، تحررت البراءة من رباط قيد الأمهات، تنفست الصعداء، جلست الطفلة مريم وقلبها يتسارع نبضا يكاد يخرج من صدرها، لا تلوي على شيء واضعة يديها على ركبتيها، والوجه على ظاهرالكفوف، مختبئة في ونين، كمستمعة في مأتم أتعبها النحيب، لا حراك، لا صوت، تشبه تمثال الأم الباكية.
نيران الكي و”تكفيت الأمهات“ وشدة القيظ اللاهب، انهكاها نفسيا، أعصابها ترتجف والبدن يهتز، لفحات حرارة من كل جانب وزاوية، دموع وعرق، بللت ملابسها ولسانها كالخشبة اليابسة، أصوات الأمهات تتوالى بدعم معنوي وتربيت على الأكتاف ”مافيش لاشر ولا ضر يامريمه.. يابتي استرحت وفتكيت.. اجر وعافية ياريم الفلا“ قدموا لها كأس ماء ولم تأبه بالعطش، رفعت رأسها والدنيا تدور بها، تسمع النسوة يتحدثن لكنها لا تشعر بوجدهن، إحساس طفولي بحنق، ولسان حالها، كيف لأمهات لاعبنها للحظات وغنين وسفقن، وإذا بهن يتحولن إلى أخطبوط افتراس مع حلول أول يوم من الشهر الفضيل.
قالت آمنة هذا من فضل ربي بأني وفقت لكيها اليوم، التأخير سوف يضاعف المرض ويصعب المشكلة.
وأوصت جدتي بأن لا تعطي بنتها الأطعمة التالية: الحليب واللبن والسمنة، والرطب والتمر والسكر ممنوعة لمدة 40 يوما، فقط رز من دون ملح مع سمك ”حواسين“ مشوي - ما فيه اشقاق -، أو بيض مسلوق، وذلك من أجل استكمال العلاج.
الالتزام عسير ووقعه صعب على طفلة لم تألف المنع عن خيرات البساتين، الوقت صيفا وشهر رمضان يلم العائلة ونساء الخيلان وبناتهن متحلقات على الفطور المزدان بالأطباق الشهية، كل يتمتع بالأكل إلا مريم محرومة من لذائذ الطعام، تنظر بتحسر ولاتتحامل مشهد السفرة العامر، شحنات الجوع، تنهال بالضرب دون هوادة ”جموع ورفسات“ على رأس أمها والأكتاف والخواصر، تقوم الأم كارهة الأكل ولاتتهنئ بأي لقمة.
بعد أيام أخبرت جدتي آمنة بتململ مريم من الأكل المكرر، ما العمل؟ أجابتها إذا كان عندكم موز لا بأس به، تأكل كل يوم حبة موز من منتوجات نخل خليف القائم عليه جدي.
العلاج بالكي والالتزام بنوعية الأكل، آتي اؤكله، خف القرح وبدأ في التلاشي، وتوقف الدم عن سيلان الأنف.
لم يكن ”الرغاف“ المعروف الذي يصيب الأطفال بل أكبر من ذلك! فلولا فطنة الحاجة آمنة وحسن تصرفها لتآكل غضروف أنف الطفلة مريم، من مرض يدعى شعبيا ب ”لنغيفة“، داء يصيب ”النغنوغ“ ويفعل فعلته، كم امرأة ورجل، تسلط عليهم هذا المرض " محدثا تشوها يظن البعض بأنه عيب خلقي إنما بسبب هذا المرض اللعين، كانوا أطفالا، ولم يتصرف أهاليهم سوى العلاج بالأعشاب، إنما لسعة النار، هي من تحرق المرض في مكمنه، وجع ساعة ولا علامة فارقة طول العمر، واليوم حالات معينة يلجأ الطب الحديث للعلاج بالكي داخل الجيوب الأنفية.
أي فراسة تمتعت بها الطبيبة الشعبية قبل 75 عاما، إنها آمنة الأمينة في علاجها وحسن تدبيرها، فقد عالجت أيضا جدتي عن مرض ”الذيبة“ بواسطة الكي في يديها اليمنى بعلامة زايد ونقاط وبقي على الجلد كالوشم.
وأيضا عالجت خالتي آمنة عن انتفاخ في الرقبة، وكلما ألم مرض لأفراد العائلة تنبرئ بنت درويش للعلاج، وتأتي بالأعشاب من عند العطار في سوق تاروت الحاج سيد شبر الحواج، وتقوم بخلطة دوائية لأمراض عديدة، تجرب وتضع علامات ورموز على كل خلطة.
كم شفي على يديها من نساء ورجال، نتيجة فراستها وحسن ذكائها التي تمتعت به، لقد ساقها الله لمجتمع لم يعرف بعد لا أطباء ولا مستشفيات، ماذا لو تلقت تعليما مثل نساء اليوم ماذا كانت سوف تصبح؟، هي امرأة خالدة في نفوس من أدركها، وانتفع من علاجها، انحني لها إجلالا ولو كانت أمامي لقبلت هامتها اعتزازا وافتخارا بهكذا امرأة، إنسانة عظيمة هبت لمساعدة الناس.
تقول أمي في حق بنت درويش: ”كل مهنة ليها أستاذ، إلا بت درويش كل المهن في ايدها“ دلالة على تعدد قدراتها ومواهبها.
وما أعجبها حين سردت ما وقع لها أثناء عبورها طريق سنابس تاروت لجلب الماء «لتروي»، ضمن مشاوير عين العودة، قصت حكايتها في حوش بيت جدتي أمام مرأى ومسمع أمي وخالاتي وبعض نساء فريق الأطرش.
حكاية تناقلتها الألسن منقوشة على جدران ذاكرة الماء.
ذات فجر طرق باب بيتها، صوت يناديها بحنية: أمنوه أمنوه، فزت من نومها، وجاوبتها من خلف الباب ”آمري، يالله مشينا إلى تاروت نروي ونتسبح في عين العودة قبل زحمة الناس“، رديت عليها بالإيجاب، استعدت آمنة بوضع الأواني الفخارية ”بغلة“ على الظهر محكمة بحبل عند الجبهة وبغلتان مربوطتان عند الأكتاف وعلى الرأس ”گفة الثياب“، انطلقتا معا من جنوب شرق مسجد شيخ محمد بسنابس متوجهتان غربا والناس نيام.
سوالف هادئة مع هدوء الفجر وحوار ودي وطمأنينة أنفس، بعد مشي لمسافة كيلو وصلتا إلى عند ”المسطح“ - قبل حدود مقبرة المصلى ببضعة أمتار - كان يخالج آمنة شك في إيقاع مشية مرافقتها التي لا تعرف من تكون، فقد خرجت معاها على نيتها من كثرة أحبابها لم تسأل عن اسمها، مسلمة بالأمر منذ البداية بأنها أحد نساء الفريق البعيدات عنها جنوبا أو شمالا، اساخت آمنة السمع أكثر، والقمر في منتصف الشهر مضيئا «ضوء القمر شقاقي»، فحاولت أن ترخي رأسها قليلا إلى قدمي رفيقتها، فهالها ما رأت، تجمدت أطرافها ووقفت ”گفة عافيتها“ قشعريرة سرت بكامل جسدها، وهي تحدث نفسها ”يو.. هذي أم الجزر، رجل حمار ورجل من يآدم“، تماسكت قليلا وبلعت لعابها، مر ببالها فكرة، قالت إلى رفيقتها: ”أطلبك منك يا خيتي حاجة - تفضلي - ترى أني نسيت ثوب أبو الجهال ماجبتها وياي“، رديت عليها بتوبيخ ”ليس مهما، ما غسلتيهم اليوم غسليهم باچر، الحين بعد ما قطعنا كل هالمشوار نعود مرة ثانية، لا لا محنا رجعين“، عاودت آمنة بأسلوب المسكنة ”إذا ما غسلت الثوب باچر بيروح البحر وهو على سفر، ترضي يستحرگ فيني، زوجي عصبي، لاش ترى بيضربني“.
بعد محاولات مستميتة اقتنعت مشترطة عليها أن تضع أوانيها الفخارية وسلة الثياب أرضا وتنتظرها عند المسطح، انطلقت آمنة جريا مثل الريح وصلت بيتها على وقع أذان الفجر، دخلت وأغلقت الباب بإحكام، واضعة متاريس حمولة من خلفه، طال وقت انتظار ”أم الجزر“ واتت إليها مسرعة تنادي ”آمنوه.. آمنوه وينك.. اطلعي يا الچذابة“، طرقات على الباب بالقواطي والحجارة، صمت مطبق من أهل الدار، فقط زوجها يحرك شفتيه بقراءة ما تيسر، حين كلت وتعبت من المناداة، اختفت أم الجزر، دبت الحركة في الدروب، وعند الصباح ذهبت أمنة لتسترجع حاجياتها، فوجدت أوانيها الفخارية مكسرات وثيابها ممزقات!.
بعيدا عن عدم التصديق أو التفنيد فأن حكاية ”أم الجزر“ معروفة في التراث البحريني ب ”أم حمار“ نفس السيناريو وذات الحدث والمسرح هو الذهاب إلى العين، لكن النهاية مختلفة.
ففي الحكاية البحرينية، حين قصت المرأة لزوجها الذي كان غائبا عن البيت لم يصدقها، وبعد عشرة أيام وجدها مقتولة على فراشها!
وزعت سؤالي على أصدقائي في عمان وقطر والأحساء، ابلغوني عن مسمى ”حمارة القايلة“ وهي لتخويف الأطفال حتى لا يخرجوا وقت الظهر.
إذا ”أم الجزر“ لها جذر في المخيال الشعبي المحلي منذ القدم، وكثير ادعى رؤيتها، هي كائن خرافي تختار ضحاياها ليلا، وتصحبهم بالمكر والخداع وتأخذهم بين غابات النخيل لتجزرهم وتمتص من دمائهم.
حكاية تنقلت عبر الأمكنة والأزمنة القديمة، استثمرت في أعمال درامية خليجية، لكن لم تكن مقنعة لا صيغة ولا تمثيلا ولا إخراجا.
تحققت من والدتي عن سبب إطلاق مسمى ”أم الجزر“ وليس ”أم حمار“؟
فأجابتني واضعا شهادتها نصا:
”هذي ماتطلع إلا بعد ما ينضج الجزر، الأول جزر البلد اشحلاوته، موسمه من طلوع لشتاء، وقت قلاعه تطلع أم الجزر، أتنبه الناس قبل أذان الفجر تتحايل فيهم يالله نروح العين، واللي يفهموا ليها مايطلعوا، يقول أبوك العود الله يرحمه، نبهت عمتي هبوبية - جدة علي وأحمد عيسى سليس - تنادي عليها بت حجي حسين، فطوم همشي نروح العين، فهمت ليها عمتي وماطلعت إليها، من سنين يحدوا بها، وطلعت إلى ناس واجد“.
عمة والدتي رأيتها في بيت سليس بالديرة حين كنت طفلا، وهي طاعن في السن وقد بلغت من العمر عتيا، الحكاية حدثت لها وقت ريعان شبابها، إذا بحسبة السنين، تقترب من 100 عام وربما أكثر.
الفضول أخذني إمعانا بتوسيع دائرة السؤال لخالتي وأمي معا لماذا اختارت ”أم الجزر“ بنت درويش ما الغاية؟، تقاربت الإجابات، بأن ”أم الجزر“ شرانية شعرت بالغيرة من خدمة بنت درويش للناس؟
تلقائية الأمهات وحسن نواياهن، لا تخلو من مغزى، ربما أرادت بنت درويش من قص الحكاية المتلونة بالحلم اوالخيال، بمثابة تخويف وتحذير لأي امرأة تخرج للعين بمفردها، حيث تقول أمي: ”سلام الله على نسوان السنابس، ما تجي كل مرة بروحها يتمارروا على بعضهم البعض من بعد صلاة الفجر، يجيوا جيوش إلى عين العودة وكل وحدة ترفع البغال على ظهر الفانية“.
ساعيات بحمل ثقيل والظمأ استمرار لهفة، خطواتهن مباركة في وقت عز فيه شرب الماء.
ثمة أرواح شريرة تتربص بالمتعبين والخرافة رمز ومجاز.
تماما مثل عطاء النخل الوفير لم يستطع الفرار من البطش فنحر من الوريد إلى الوريد، جذوره لم تزل في تربة الأرض تستغيث بطلب الماء.