هل نعرف التحول الرقمي؟
ضمن المساعي للتحول الرقمي، تُوفّر بعض الجهات، نماذج على مواقعها ليتمكن المستفيد من حفظها وتعبئتها ثم إعادة إرسالها، فهل يُعدّ هذا تحولا رقميًّا؟ بالتأكيد لا، تذهب بعض الجهات الأخرى لتمكين المستفيدين من تعبئة النماذج مباشرة عبر مواقعها، وتظل هذه جهود نحو الرقمنة، لكنها لا تصل لمرحلة نُطلق عليها مسمّى التحول الرقمي حتى يتم توفير كامل الخدمات رقميًّا كحدٍّ أدنى.
التحول الرقمي لا يقتصر على تبني التقنيات الحديثة والتخلي عن بعض العمليات الورقية التقليدية، بل يشمل كافة العمليات التي تستخدم التقنيات الحديثة والرقمية لتوفير أفضل خدمة للعميل، وذلك عبر خلق نماذج عمل تشغيلية مختلفة، ورقمنة العمليات الأساسية وخلق قنوات دخل جديدة تُلبّي متطلبات السوق المتغيرة، كُلُّ ذلك وِفق انسجام هذه التقنيات مع ثقافة المنظمة، والعنصر البشري، والهيكل التنظيمي.
مفهوم التحول الرقمي بدأ في القطاع الخاص وانتقل للقطاع العام، حيث تسعى الحكومات لتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين عبر تغيير آلية الإجراءات بما يساهم في رفع الإنتاجية والكفاءة ورضى المواطن، هذا يتطلب العمل بطرق مُختلفة مع كافّة الشركاء، وبناء نماذج عمل جديدة.
للتحول الرقمي ثلاثة عناصر أو مستويات أساسية أُلخّصها كما يلي: أولا / استخدام التقنية لتغيير طريقة تقديم الخدمات، ويتجلّى ذلك في خلق نموذج عمل جديد يغير واقع النموذج الحالي وينقل العميل لتجربة مختلفة كليًّا، وأبسط مثال معروف على ذلك هو تحول نموذج عمل سيارات الأجرة التقليدية لنموذج عمل جديد، كالشركة الشهيرة أوبر التي تُمكّن عموم الناس من توصيل غيرهم، وتربط جميع المستفيدين ومقدمي الخدمات مع بعضهم البعض، التحول الرقمي يوفّر فرص لكسب حصص سوقية جديدة، وكسب عملاء جدد، أو دخول أسواق جديدة كليًّا.
ثانيا / استخدام التقنية لتغيير ثقافة المنظمة وعلاقتها بالمستفيدين، وهذا مستوى أعلى من التحول الرقمي ليس من السهل الوصول إليه، فهنا يُعدّ التحول الرقمي ثورة تقنية تغير من ثقافة المنظمة وهيكلتها الداخلية، وعلى صعيد الإدارات العامة والحكومة، ثقافة التحول الرقمي تعني وعيًا بالحاجة لهذا التحول لأجل تحسين الخدمات ورفع الفاعلية، الأمر الذي يساهم في الوصول لأهداف أسمى كالشفافية، والنزاهة وإشراك المواطن.
ثالثا / خلق القيمة النهائية كمكتسب للتحول الرقمي، وهذا يأتي بتغيير شامل للمنظومة يُمكّنها من تحقيق تواصل داخلي وخارجي أفضل، ومساحة عمل أكثر كفاءة، هذا المستوى من التحول الذي يشمل العنصرين الأول والثاني، يخلق لنا قيمة عامة على مختلف الأصعدة، حيث تهيئة الظروف الملائمة للوصول لمجتمعٍ رقمي، عبر توفير أفضل الخدمات للمواطنين، والمساهمة في إنعاش الاقتصاد تحسين جودة الحياة.
ختاما، بخلاف مشاريع الحكومة الرقمية التي لها تاريخ بداية ونهاية، وميزانية ثابتة، ومقاييس لمعرفة إتمام المشروع من عدمه، التحول الرقمي عملية مستمرة لا نهاية لها، وتتطلب التحسين المستمر للعمليات والخدمات المقدمة لتواكب حاجة العميل في السوق والمواطن في بلده.