آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

جدري القرود

زكي أبو السعود *

نقلت لنا الأنباء عن إصابات متفرقة بمرض جدري القرود في بلدان عدة معطنها في بلدان متقدمة ومتطورة في أنظمتها الصحية وهي إصابات لا زالت محدودة، ونرجو أن لا تزداد.

حتى الآن لم يصدر بياناً من الجهات الصحية لهذه البلدان يشرح طريقة إصابة هؤلاء المصابين بهذا المرض، الذي لم أسمع به من قبل فأنا لست طبيبا ولا علاقة لي بالأمور الطبية أو الصحية، ولا يخالجني شك أن مثلي كثيرين. ولكن بعد هذه الأنباء بدأ الفضول يظهر لدي ولدى غيري من الناس عن هذا المرض وخطورته وكيف تنتقل عدواه؟

لا زال العالم يعاني من الكورونا ولم يتوقف فايروسه عن التمحور ومهاجمة الناس في مختلف بلدان العالم، فكل يوم يمضي تردنا أخبارا عن أناس تعرضوا للإصابة بما فيهم من أكمل ثلاث تطعيمات. الحمد لله أن نسبة الإصابات القاتلة أقل من السابق وليس هناك ضغوطات على الأجهزة الصحية كما حدث في بدايات انتشار المرض. ولكننا لا نستطيع تجاهل أنه لا زال موجودا ويلاحقنا أينما ذهبنا.

أثناء ذروة الإصابات بالكورونا والعالم بأكمله يعيش قلقا من ذلك وخوفا مما ينتظرنا كجنس بشري من تبعات هذا المرض، صرح رجل الأعمال الملياردير الأمريكي بيل غيث بأن هناك أوبئة جديدة قد تكون أكثر فتكا من كوفيد - 19 تنتظرنا كبشر، وان على المعنين بسلامة البشر وصحتهم التهيؤ والاستعداد لأيام قادمة كالحة الظلمة. ورغم خطورة مثل هذا التصريح إلا أن لا منظمة الصحة العالمية ولا المسؤولين الصحيين في أمريكا أو في غيرها من الدول الكبرى والغنية علقوا على تصريحه ”الإنذاري“ ولم ينفوا أو يؤكدوا هذه التنبؤات. رد الفعل على هذا التصريح. جاء من الناس الذين يعتقدون أن كوفيد - 19 مؤامرة دولية قصد منها التخلص من ”الفائض“ من البشر.. وان بيل غيث مشترك في ذلك عبر مؤسساته البحثية بما في ذلك جمعيته الخيرية. وهناك مقالات عدة حول هذا الموضوع وليس عسيرا على أي مهتم إن يعثر عليها في صفحات الإنترنت.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا هذا الصمت الرسمي على ما أدلى به هذا الثري الكبير.، في الوقت الذي يتفق الجميع على أن مثل هذه الافتاءات تثير الهلع لدى سامعيها،

بعد الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، أعلن الروس عن اكتشافهم لعشرات المختبرات البيولوجية والبحثية في مناطق مختلفة من أوكرانيا تابعة للولايات المتحدة الأمريكية ولإسرائيل ودول أخرى، معظمها كانت أبحاثها وما يجري في داخلها محاطة بكتمان شديد وتغطيها عمليات فساد معقدة. حينما قدم الروس مستنداتهم في مجلس الأمن طالبين أجوبة من الحكومة الأمريكية عن هذه المختبرات البيولوجية أنكر الأمريكان أي دور رسمي لهم، ونفوا أن تكون لهذه المختبرات أي أغراض بيولوجية عسكرية. ورغم أن دول أخرى وشركات معروفة مشتركة في ملكية هذه المختبرات إلا أننا أيضا لم نسمع من أي منهم أي تعليق عن حقيقة هذه المختبرات وماذا كان يجري في معاملها؟!!

وهنا نجد تشابه رد الفعل على تصريح بيل غيث وما وجده الروس في ربوع أوكرانيا الخضراء، وهو الصمت والامتناع عن البوح بأي تصريح أو تعليق يزيح عنا كل هذا اللبس والهلع.

نحن مثلنا مثل ملايين البشر على هذه الأرض لا نعلم ماذا كانت هذه المختبرات تعد لنا، ولماذا هذه السرية، أهي لأسباب تجارية ولغرض إخفاء ما يقومون به عن أعين المنافسين أم أنها لأغراض غير دوائية، ولكن لماذا هي بهذا العدد في أوكرانيا وفي بلدان بعيدة عن ديار مالكيها، ولماذا السرية المفرطة والكتمان عن وجودها ودون معرفة من شعوب هذه البلدان بما يجري في أوطانهم؟ ألا يجعلنا نميل إلى تصديق ما يقوله الروس بأن هذه المختبرات ليست لأغراض سلمية وإنما لتصنيع أسلحة بيولوجية وجراثيم يمكن استخدامها في الحروب وإشغال الخصوم بأوضاع صحية معقدة لم يسبق لهم أن واجهوها من قبل.

لنصرف النظر عن نظرية المؤامرة، ولكن حينما نسمع عن انتشار مرض جديد من دون مقدمات، وأنه حتى الآن لا تملك مصانع الأدوية علاجات لها، ولا تطعيمات تقي منها، فمن الطبيعي أن ينطرح سؤال بسيط هو لماذا تنتشر هذه الأمراض والأوبئة بهذه السرعة وفي وقت متقارب مع أن المسافات كبيرة بين هذه البلدان، وان الوعي الصحي والاحترازات الوقائية لدى سكان هذه الدول هي أفضل وأقوى بشكل عام عما كانوا عليه من قبل. وهذا ينطبق على العالم بشكل عام.

نشر خبر بالأمس يفيد بأن الحكومة الأمريكية وقعت عقدا قيمته أكثر من مائة مليون دولار مع إحدى شركات الدواء على البدء في إيجاد مصلاً للوقاية من مرض جدري القرود، وهذه مبادرة استباقية تستحق الثناء، وانا كغيري من سكان هذه الأرض أتمنى أن يصنع هذا المصل بسرعة كي لا تواجه البشرية مرضا يشكل خطرا عليها. ولكن في نفس الوقت نجد أن هذه الشركة بدلا من تخصيص جزءا من مواردها وطاقاتها لإيجاد أدوية لأمراض تفتك بملايين البشر في الوقت الحاضر، ستتوجه وتركز أعمالها على هذه المهمة الجديدة والتي ستدر عليها أرباحا طائلة.

حتى الآن والحمد لله لم تظهر في بلادنا أي إصابات بجدري القرود كما جاء في بيان وزارة الصحة لهذا اليوم. ولكن بسبب قلة معلوماتنا عن كيفية الإصابة بهذا المرض وكيفية انتشاره، قد نكون في حاجة ماسة وآنية لتحصين أنفسنا بالوعي والمعرفة بهذا المرض وأعراضه، وإبلاغ الناس بما يستجد وما عُرف حتى الآن من طرق انتشاره، وما المفروض أن تقوم به حين وجود شك بأن أحد ما قريب «لا سمح الله» منا لديه أعراض مشابهة. البدء بحملة توعية وتثقيفية على مستوى الوطن تشترك فيها كافة وسائل الإعلام قد تكون الخطوة الأولى على طريق حماية أنفسنا وكل من يعيش على تراب هذا الوطن الغالي والحد من انتشاره وتفشيه.

نسأل الله أن لا تواجه البشرية وضعا مشابها لما عشناه خلال العامين الماضيين، وأن يتم محاصرة هذا المرض والقضاء عليه في الأماكن التي ظهر فيها حتى الآن، ومنع وصوله للدول التي لم يتعرض أحد من مواطنيها للإصابة به.

حمانا الله جميعا من هذا المرض ومن كل مرض.

بكالوريوس في القانون الدولي، ودبلوم علوم مصرفية. مصرفي سابق، تولى عدة مناصب تنفيذية، آخرها المدير العام الإقليمي…