سيهات.. قلعة المبدعين
نعم هي بلدتي! ولكن أحبتي وقبل أن نشرع في حياكة هذه السطور البدائية والمتواضعة يجب أن نشير أولا، وبما أنني أحد أبناء سيهات والتي هي مسقط رأسي كما باقي أهلها تربينا تحت هوائها واستنشقنا عليل نسماتها وترعرعنا بين أزقتها وكنا نستمع لموسيقى تلاطم موج بحرها. وكم تسامرنا بمرسى سفنها وتنفسنا رائحة شواطئها، وأنشدت قصائد الغزل في حبها. ومابين هذا وذاك سنتذكر جميل مزارعها التي تكسوها النخيل الباسقات لجميع جوانبها. وكنا ولازلنا نفخر بأصالة أهلها بل ولا ننسى شِيم رجالها وكذا حياء وخلق نسائها وإن أردنا الإبحار أكثر ستخوننا الكلمات وتعجز نظم القوافي في مديحها ووصفها؛ ولهذا لن أستطيع أن أبني مقالا في حقها وبالتالي سأقف عاجزا عن التعبير عما بداخلي تجاهها وما يكنه قلبي من عشقها وما تحويه الأحاسيس ومشاعر لسحرها! نعم هي مقصدي وغايتي هي الدانة المتألقة هي الشمعة الساطعة، هي الأيقونة المتألقة هي الملهمة في الكثير من التطلعات منها اللحمة المجتمعية والأنشطة الخيرية بجميع أنواعها المختلفة الرياضية والاجتماعية والثقافية، بل بات اسم «سيهات» اسمًا نُقش بحروف من الحبر المرصع بالذهب والألماس لكل مايتعلق بالمناخ الذي تملؤه روح المحبة والألفة والترابط والتآخي لجميع أفراد ذلك المجتمع التوّاق بطبعه، والعاشق بفطرته والمندفع بحبه وعشقه لبلده ووطنه. وقد أثبت ذلك في العديد من المحافل المحلية والدولية وهناك من الأرشيف العميق والتاريخ العريق الدال على ذلك مالايستطيع باحث عن هذا أن يحصي ما تتميز به دانتنا المصونة قبعة البحر وهذا ماكانت تكنى به تلك البلدة فائقة الجمال في مامضى ومازالت القصة حتى يومنا هذا.
وفي واقع الأمر إذا أردنا الحديث عن بلدتي الحبيبة سيهات فلن يستطيع المثقفون والمتابعون أن يفوا حقها كما ينبغي وإن سردنا العشرات بل المئات من المقالات فلم ولن نتمكن من الوصول بها لمكانتها ومقامها الرفيع بين سائر مناطق مملكتنا الغالية.
وبعد أن توالت الأيام والشهور ومضت الأعوام والسنون فأصبحت تلك المدينة تعتلي ذروة العز والشموخ وتسير بخطى الواثقين نحو سائر المعارف والعلوم، حتى وصلت لمركز مرموق في التطور والإبداع وما كان ذلك ليتحقق إلا من خلال ما أنجبت أرحام النساء وأصلاب الرجال من أبناء محبين ومتفانين لخدمة بلدتهم ومجتمعهم والرقي بها لمصاف المجتمعات التي تتطلع لبناء مستقبل أفضل وواعد تجاه كل مايعود بالخير والعطاء الجزيل لكافة أبنائها من رجال ونساء.
وتجسد ذلك جليا من خلال البرامج والمحافل والمهرجانات والتي تتعاون فيها جميع القوى والمؤسسات الرسمية والأهلية الفعالة المتواجدة في وسط الميدان من خلال التعاون العميق فيما بينهم كنادي «الخليج» والذي يعتبر هو البيت الأكبر والحاضن والجامع لكل أطياف المجتمع السيهاتي كبيرهم وصغيرهم بالإضافة إلى جمعيتنا العتيدة «جمعية سيهات» للخدمات الاجتماعية فمنذ زمن بعيد ومع بداية تأسيسها على أيدي رجالات قل مثيلهم وفي مقدمتهم المغفور له بإذن الله تعالى الحاج عبدالله بن سلمان المطرود رجل الخير وإنسان البذل ورمز الكرم والسخاء والذي امتدت يداه بالعطاءات لأبعد مدى من سيهات وسائر جيرانها فلروحه الطاهرة ومن رحل من رفاقه الأوفياء الرحمة والمغفرة حتى تعاقبت الإدارات المخلصة لإكمال المسيرة بكل ماتحمله المعاني من سمو التفاني وتحمل الصعاب من أبناء هم لمجتمعهم أبرار وعلى رأسهم رئيس مجلس الإدارة الأستاذ شوقي بن عبدالله المطرود أعانه الله وسدد مسعاه مع بقية رجاله الأخيار لخدمة البلاد والعباد.
وبعد ذلك تلاقحت الأفكار فيما بينهما وتضافرت الجهود وشحذت الهمم حتى وصل التعاون بين المؤسستين العريقتين على أوجه؛ فنتج عن ذلك العديد من المناشط الإنسانية والخيرية والاجتماعية والتي وبلا فخر أنفردت بها سيهات عن غيرها دون بقية المناطق المجاورة بل باتت محط الأنظار للكثيرين والمتابعين لتلك النشاطات فشهدنا عدة فعاليات منها «مهرجان سنابل الخير» والذي يقدم من خلاله الكثير من الفعاليات التي تعود بالنفع على الأهالي بشكل خاص كما تعقد الكثير من المحاظرات والندوات وورش العمل منها الثقافية والتربوية والعلمية ناهيك عن إقامة المسرحيات الهادفة ومعارض الفنون التشكيلية والتصويرية وكذلك الأمسيات الشعرية والأدببة وجميع أنواع الفنون. والهدف منها رفع مستوى الوعي الذاتي لدى جميع شرائح المجتمع للوصول بالأبناء لمستوى توعوي يكون الشباب من خلاله جاهزين لخوض معترك الحياة بصورة هادئة ومتوازنة والاستعداد لبناء مستقبل أفضل كذلك رأينا المعايدة التي تبناها نادي الخليج بمبادرة مباركة من رئيس النادي الأخ العزيز المهندس علاء الهمل وبقية الإخوة الموقرين أعضاء مجلس الإدارة على تلك المجهودات التي تعزز الروابط الأخوية بين جميع أبناء المجتمع وماتحمله تلك المبادرة في طياتها من تعميق وترسيخ احترام الآخرين لبعضهم البعض وتجسد ذلك بدعوة جميع الإدارات السابقة واللاعبين القدامى وهذا إن دل على شيء إنما يدل على علو التقدير وحسن المعشر لهؤلاء الرجال الذين قدمو الكثير لخدمة مجتمعهم وهذا خير تكريم فهم من يستحقون ذلك فعلا.
وبهذه المناسبة نحن السيهاتيين نعيش هذه الأيام نشوة الانتصار الكبير الذي حققه «فريق كرة اليد» بنادينا العريق ورقصت سيهاتنا فرحا وتغنت بأهازيج ألحانها طربا من عبق ماضينا الجميل ويحكيها تاريخنا المجيد وتسطرها بطولات وإنجازات وقمم هي مدعاة للفخر والاعتزاز لكل من أنجبت.
فحديثنا عن أفنان الحب والود والمديح وذكر المحاسن لن ينتهي بل ما سنقصده بالختام عن قلعة المبدعين هو اعتذاري وخجلي لديرتي عن تقصيري لعدم إعطائها ما يتوجب عليّ من التقدير والاحترام ووقوفي حائرا بمالا يمكنني وقدرتي لما تستحقه منا جميعا من الشكر والمعروف والثناء تجاه جميع إبداعاتها المختلفة ونجاحاتها المتقدمة ومكانتها الرفيعة ولذا أصبحت بلا ريب مثال يحتذى وباتت تحفة ولوحة فنية مضيئة يشار لها بالبنان وكانت ومازالت مقصد المعجببن لكل ماهو راقي وللمتذوقين شعرا وفنا وأدبًا فتحية لك سيهات! ولأهلك ذوي الشيم والكرم، وتحية لواحاتك وبحرك وكل مافيك حتى ذرات ترابك وتحية لرجالك الأوفياء ونسائك الفضليات. وصدق فيكم قول الشاعر أبي بحر الخطى:
«هَلاّ سأَلْتَ الربْعَ من سَيْهَاتِ
عن تِلْكمُ الفِتْيانِ والفَتَياتِ
ومِجَرِّ أرْسَانِ الجِيَادِ كأنَّها
فوق الصَّعيدِ مَسَاربُ الحَيَّاتِ».
عشتِ سيهات محفوفة وعين الله ترعاكِ.