شيرين أبو عاقلة ذات الوجه الحزين
إذا كانت وسائل الإعلام الغربية، قد حوّلت المرأة هذا المخلوق العطوف إلى قيمة جسدية بحتة، تستثير غرائز المستهلكين بعرض مغريات جسدها.. فإن الفضائيات العربية، تحاول انتهاج نفس الأسلوب في استقطاب مشاهديها، الذين يشكلون المادة المنتجة والمستهلكة في آن، لاقتصاديات الإعلام الاستثماري، القائمة على الإعلان التجاري.
ولذلك تسابقت الفضائيات العربية في توظيف مذيعات حسنات الوجوه في نشرات أخبارها!.. وتعاقدت مع ملكات جمال وأحياناً وصيفاتهم، في تقديم برامج الأغاني والمنوعات التي تدغدغ غرائز المراهقين!.. كل ذلك يأتي على حساب أصول المهنة، وأخلاقية الدور المنوط بها، حتى ولو كانت غير حكومية.. فما دامت هذه الفضائيات تكتسب وجودها بالمجتمع الذي يشاهد برامجها، فإنها مسؤولة أدبياً عن تقديم مستوى من البرامج المراعية لثوابته الروحية، والعاملة على الارتقاء بوعيه، والارتفاع بذوقه..
** إن هذه العوامل تكاد تغيب عن تعاطي الفضائيات مع الحساسية الاجتماعية، عندما تحصرها في الحصول على إيرادات إعلانية، هدفها ”تسويق“ أنماط استهلاكية تضر أحياناً بصحة المجتمع، وتتجاوز أحياناً أكثر إلى الإضرار بقيمه الثقافية، من أجل الكسب السريع والإثراء الفاحش على حساب الغير، محولة بعض الفضائيات العربية إلى فاترينات عرض، تذكرنا بما كان يجري في أسواق النخاسة أيام المتاجرة بالرقيق الأبيض!!.. فإذا بمذيعات الفضائيات أشبه بجواري تعرض صباح مساء مفاتنها على جماهير محرومة من التعاطي مع قيم الخير والحق والجمال!!
والمشكلة هنا.. أن بعض المذيعات ولا أعمم قد ارتضين هذا الدور المقلوب لامرأة الإعلام والثقافة، فحين كانت المذيعة المصرية ليلى رستم تقدم في السبعينات من القرن الماضي حواراتها مع عمالقة الأدب والفكر في العالم العربي وهي ذات جمال أرستقراطي ناعم لم تكن تسمح لأحد تجاوز الخط الفاصل بين كونها مذيعة ومقدمة برامج، وبين أية محاولة استغلال لجمالها الأخاذ.
** صحيحٌ أن هذا قد حدث في الزمانات! قبل هذا الاتجار الفضائي، الذي كرّس انفجاراً جنسياً تحت عنوان الأنثوية، وحرية تصرف الأنثى بجسدها، هذا الذي دفع مذيعة جميلة، ذات تقاطيع رومانسية، لأن تستجيب لدعوة مجلة شبابية سعودية في جولة عرض لجسدها المخبأ تحت طاولة نشرة الأخبار!! لتتحول إلى فتاة إعلان، هاتكة أستار جسدها أمام أعين محرومة، ونوازع شهوة متعطشة.
.. ولأن هذه المذيعة فلسطينية، فقد كان ألمي مضاعفاً، وأنا أقارنها بزميلتها شيرين أبو عاقلة مراسلة الجزيرة من رام الله، هذه المذيعة التي تتقمص روح الشهداء، في كل مرة تطل علينا معلنة فصلاً جديداً من فصول المأساة الفلسطينية التي لا تنتهي.. خاصة حين تختتم رسالتها الإخبارية بنغمة حزينة تكاد تشرق بالدمع، وهي تنطق كلمة فلسطين من عمق أعماقها المتقطعة الأوصال.
كم تبدو هذه المذيعة الفلسطينية الغلبانة، سيدة الجميلات وهي تقدم نفسها وبلدها على هذا النحو المحترم، متحدية كل محاولة فضائية مستميتة لتوظيف أنوثتها فيما لا تريده إلا رمزاً للمجال المصون من كل عبث واستغلال.