آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

قلب مفرد في وجه العاصفة

عبد الباري الدخيل *

الغياب هو السور الخلفي لحديقة ذلك الحزن الذي يهجم كعدو متغطرس، فيصنع بعنف جدران للوحدة والوحشة والألم.

قاومتْ حزنها وغيابه وحاولتْ أن تخلق ربيعها الخاص، وأن تهرب للأمام بقوة الإيمان والصبر...

مضى الأسبوع الأول من وفاته باردًا كشتاء سيبيري، وبطيئًا كأن ساعته توقفت عن حساب الدقائق، كانت الدموع هي سيدة الموقف، ونافذة التعبير عن لوعة الفراق، تحاول صدها بالتجلد لكنها تخون اللحظة وتهجم فتتكسر الدفاعات وتتقدم مخلفة أنهارًا وانهيارًا.

في اليوم الثامن وضعت صوره في كل ركن وزاوية من البيت، وأخذت تتبادل معه الحوارات وتروي القصص وتعيد الأخبار كلما شاهدت طلته الجميلة.

هل تعلم من المتصل؟.. إنه أخي يسأل عنك.

الباب يطرق.. اجلس لا تتحرك سأفتح الباب بنفسي.

إنها أختك.. اعتذرتُ لها بأنك تريد أن تستريح قليلًا.

ماذا تحب أن أصنع لك على العشاء؟

هل تسمح لي يا حبيبي أن أسألك عن موضوع وجبة الغداء؟ لماذا ألغيتها؟ كانت مناسبة جيدة أن تجمعنا مع الأولاد سفرة واحدة.

أما زلت غاضبًا من «حسن» لأنه سكن في مدينة أخرى؟

أرجوك لا تغضب منه فسكنه في تلك المدينة يسهّل عليه الذهاب إلى عمله والعودة في وقت قصير.

لا.. لا ليست زوجته من قررت ذلك وإن كانت أسرتها تسكن في نفس المدينة.

غدًا الجمعة سيأتي الأولاد، أرجوك استمر في توزيع ابتسامتك على الجميع كما كنت تفعل، لا أحب الحزن في عيونهم.

ابنتك «فاطمة» تتصل، ماذا تريد في هذا الوقت؟

لا بد أنها ستسأل عنك، ههههههه، بدأتُ أغار منها، كأنها ضرتي التي تنافسني على قلبك.

أنت أيضًا - اسمح لي على هذه الكلمة - تتلذذ بالمنافسة عليك.

نسيت أن أخبرك أن «باقر» عاد لجامعته أمس، لم يستطع أن يأتي ليسلم عليك، فالامتحانات على الأبواب كما تعلم.

نعم؛ أنا قلت له أن يعود مسرعًا، ماذا سيكسب لو جلس هنا؟

دراسته مصباح ينير لنا طريق المستقبل، وسنحضر حفل تخرجه كما فعلنا مع أخوته إن شاء الله.

أنا من طلبت منهم تغيير مكان التلفاز وإخراجه من غرفتنا، لا يوجد في قنوات الأخبار إلا موضوع الحرب، متى سيتعلم الإنسان أن الحب أجمل من الحرب؟ وأن البناء أسهل من التدمير؟

نسيت أن أهنئك بفوز البرشا بأربعة أهداف.

الباب يطرق هل ستفتح أم ما زلت مشغولًا بقراءة ديوان جاسم الصحيّح الجديد؟

حسنًا أنا سأفتح الباب.

تذكرت.. كنت أبحث عن ديواني شفيق العبّادي ومحمد الماجد أين وضعتهما؟

هل ستتناول الشاي هنا أم في الحديقة؟ الجو حار أقترح عليك أن تجلس هنا لنتناول الشاي معًا.

آه آه من هذه البرودة التي تجتاح ساعة قلبي رغم الصيف الذي يشعل الطرقات، عزيزي وجودك ووجود الأولاد وباقي الأسرة يجعلني أسعد إنسانة في الوجود، ومن مثلي وخارطة الكون تبدأ من هنا وتعود لتجمعنا دروب السعادة؟

هل تعلم ماذا أحتاج بعد؟

أحتاج فقط أن تعانقني.. لماذا أحس أنك ولدت بلا يدين؟

أرجوك.. مرر يديك على أيامي؛ لتهدأ العاصفة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
ابو محمد
[ صفوى ]: 8 / 5 / 2022م - 6:44 م
ما اجمل هذه العبارة ، متى سيتعلم الانسان ان الحب اجمل من الحرب؟