محكمة الضمير والوجدان
يمكن تمثيل الوجدان الأخلاقي بقاض حاذق وقوي ولا سبيل بأن يفلت الإنسان المخطئ من العقاب على نحو مطلق عند ارتكابه جريمة، بل يحاكم ويجازى على أعماله السيئة بالضربات المؤلمة التي يواجهها على روحه وأعصابه.
إن المجرم مهما كان قويا ضعيف وعاجز أمام قاضي الوجدان، ولا يستطيع أن يهرب من عقوبات محكمة الوجدان بأي وسيلة أصلا.
الجنون أو الأمراض النفسية والعصبية أو استعمال المخدرات، جميعها عوامل مختلفة تؤدي إلى محاكمة الضمير، وإن مما لا شك فيه أن تلك العوامل تسلب المجرم استقراره وراحته وتقض عليه مضجعه وتجعل الحياة أمام عينه سجنا لا يطاق، إذا كان ضميره حيا، حيث الإحساس بالخيانة والإجرام واستعمال المخدر يلتهب في باطن المجرم كشعلة متوهجة تحرق روحه وجسمه، وقد يكون أثر العقوبات الوجدانية في إيجاد الاختلالات النفسية شديدا ومعقدا إلى درجة أنه لا يستطيع أي طبيب نفسي، مهما كان حاذقا أن يعالجه ويعيد للمريض حالته الاعتيادية السابقة، فإذا أخطأ المرء وظلم أحدا من الناس، قريبا أو بعيدا، فلربما أفلت من المحاسبة والعقاب، إما لشدة تخفيه، وعدم اطلاع أحد على جرمه وظلمه وإما لقوة نفوذه، خاصة في المجتمعات التي تسودها المحسوبية والفساد، ولكن هيهات لصاحب القلب أو الضمير الميت الذي يغرق في ظلمات طغيانه ناسيا قوله تعالى في كتابه الكريم «وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين».
لا شك أن غياب وموت ضمير الإنسان يرجع دائما إلى البيئة التي يعيش فيها، وكذلك التربية والتنشئة الاجتماعية فكلاهما عامل أساسي، ومؤثر في تشكيل عقل وضمير الإنسان، وأيضا أصدقاء السوء الذين يدفعونه إلى فعل المعاصي ويكون لهم بذلك تبرير لتشكيل عقل الفرد، فدائما تكون القدوة عاملا مؤثرا سواء بالإيجاب أو السلب على ضمير الشخص.
إن انعدام الضمير يعني انعدام التمييز بين الحق والباطل، مؤكدا على أن الضمير هو الوجدان والأب الروحي للإنسان، حيث يشعر الإنسان بالندم عندما يفعل شيئا ما يتعارض مع مبادئه وقيمه الإنسانية، والسبب اختفاء الضمير وانعدامه وهذا يعود لانغماس النفس بالظلمات الفكرية وغرق القلب في الملذات والشهوات والأهواء، كما أن الأمر هذا يوحي لنا أن من أهم أسباب موت الضمير هو التنشئة الاجتماعية الخاطئة، أو التربية من قبل الوالدين، لذا علينا أن نحكم ضمائرنا في كل صغيرة وكبيرة في كل الأمور وبالحكمة والعقل السديد.
اللهم اجعل ضمائرنا حية ولا تجعلها ميتة لكي نميز بين الحق والباطل، إنك سميع مجيب.