إطلالة في «الكتاب المقدس وتاريخ المسيحية»
في حدود «318 صفحة» صدر كتاب
«الكتاب المقدس وتاريخ المسيحية - تعريف بالعهدين وإطلالة على تاريخ وتطور العقائد المسيحية»
لكاتبه الدكتور سامي السلطان
وفي طبعته الثانية «1443 هـ - 2022م» بإضافة
رقم إيداع وفهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية.
بيَّن المؤلف الدافع والهدف من البحث في موضوع يبدو للقارئ في الوهلة الأولى كأنه استعادة للركام الهائل لمثل تلك البحوث والدراسات التي أشبعت بحثاً وكتابة منذ نشأة المسيحية وتبلورها في أحضان الإكليروس وتقديمها بالصيغة البشرية محاطة بالرؤى والاختلافات البينية، ناهيك عن الاتجاهات المناهضة لها من خارج بوتقتها وتكويناتها.
وكان الدافع الأساس - كما جاء في المقدمة - هو انتشار جالياتنا ”من أبنائنا وبناتنا الذين ذهبوا للدراسة في الغرب والحياة فيها لعدة سنوات.. و«محاولة» بعض المؤسسات والجماعات الناشطة هناك أثناء لقاءاتهم مع بعض المبتعثين والمقيمين في تلك البلاد، التشويه وإثارة الشكوك والشبهات حول العقائد والممارسات والعادات المحلية، بهدف تفريغها من أي محتوى ونزعها، ومن ثم استبدالها بعقائد وأفكار وممارسات جديدة“ «1» «المقدمة ص 9» وخلص المؤلف إلى أن هذا الكتاب جاء ”لتقديم إيضاحات موجزة حول بعض العقائد الرئيسة والأفكار عند المسيحيين في الكتاب المقدس، وتاريخ المسيحية، وبعض الأحداث الدينية المهمة لديهم، ليكون أبناؤنا وبناتنا.. على اطلاع ومعرفة، ولو بصورة مختصرة، تلبي بعض ما يحتاجون إليه“ «2» «المقدمة ص 10»
وجاءت أغلب عناوين المواضيع المدرجة في فهرس الكتاب بأسلوب الاستفهام من قبيل:
- كيف ندرس الأديان؟
- هل تقول الأناجيل بعقيدة التثليث؟
- هل للرقم 3 خصوصية معينة؟
- هل يحتاج الرب أن ينزل ليتفهم الإنسانية؟
- هل الإيمان وحده طريق النجاة؟
ومن العناوين التي لم تقدم بصيغة الاستفهام:
- التطور التاريخي للعقائد المسيحية.
- المسيحية والكنيسة في العصور الوسطى.
- صورة المسلمين في الوعي الأوروبي.
- القرآن الكريم والرحمة والتيسير.
وفي إطلالتنا حول ثبت المصادر نجد أن الكاتب قد استفاد من مصادر متنوعة عربية وأجنبية؛ وهو مما يؤدي - بحسب المادة المستند إليها - إلى ابتعاد البحث عن سمة الرتابة والاجترار؛ لطبيعة النهل والتناول والمعالجة، ولعل الإشارة إلى نزوع المؤلف في أسلوبه إلى استخدام صيغة الاستفهام بصورة أكبر في رصف العناوين يجعل القارئ ميالاً إلى أن البحث جديد في تناوله بالرغم من قِدم موضوعه، ولا سيما وأن الكاتب قد انطلق من تحديد مشكلة معاصرة «تعرّض الشباب المبتعثين لتلك الشبهات» ومحاولة حلها من خلال رفدهم بمادة صيغت معظم عناوينها بطريقة الأسئلة التي تصل إلى مسامع الشباب في عوالم الاغتراب؛ وذلك حتى تسهل عليهم الاستفادة من الكتاب وحتى يتحقق الغرض من تأليفه على أكمل وجه.
ولا يفوتنا أن نشير بأن المؤلف نفسه هو ممن خاض تجربة الاغتراب - إبان ابتعاثه الدراسي - لتكون «المشكلة» المحددة نابعة من تجربة حقيقية لا من عالم افتراضي، مما انعكس ذلك على طريقة معالجتها التي ابتعدت عن استرجاع معالجات حقب دارسة واستنساخها، كما هي طبيعة من يدمنون الاسترجاع والاجترار في كتاباتهم حد المبالغة والغلو في المحافظة على اللغة والأسلوب والألفاظ من قِبَل المشغوفين بما شغفوا به؛ بدعوى الأصالة مع تلبسهم بالخوف النفسي غير المبرر من استيلاد طرق بحث تتفق ومناحي التفكير لدى الشباب، خصوصاً وأن الأصالة تكمن في التَمَثُّل النوعي ولا تتعين في الاستعادة السلبية والاجترار.
ومما يُحسب للمؤلف أنه انطلق من «مشكلة معاصرة» وجعلها المحور الأساس في كتابة البحث، باحثاً عن حل لها من خلال الإجابات التي يحتاجها الشباب في رد الشبه والتساؤلات.
ولعل الكُتَّاب الذين استحقوا أن يُنعتوا ب «المفكِّرين»، لم يستحقوا الوصف المذكور إلا لأنهم انطلقوا في كتاباتهم كلها من تشخيص المشاكل والإشكاليات التي تلبَّس بها واقعهم وسعوا إلى تقديم الحلول والمعالجات..
ونحن بأمس الحاجة إلى أن يكون المحرك الأساس لشروعنا في الكتابة هو المحرك نفسه الذي ينطلق منه «المفكِّرون»؛ حتى يكون نتاجنا مما ينتفع به الناس، متصالحين مع «أصالة» المبدأ القرآني الذي وجهنا إلى الابتعاد عن «الزبد» وإلى أن تكون أعمالنا ونتاجاتنا مما ”ينفع الناس“ ومما ”يمكث في الأرض“.