حادثة صفوى
هل الانتقام أو التعدي على الأخرين بالقتل حتى لو كان أقرب الناس كحادثة صفوى حالة صحية أم لا؟
جوابه ظهر مما تقدم، فالمعاقبة ضمن الشريعة الإسلامية أمر واجب، أي إقامة الحد على المجرم هنا بمثابة الانتقام من المجرم هو أمر واجب، كما إذا زنى إنسان أوقتل وقامت عليه البينة، واستوفى الحد شروطه، أقيم الحد عليه وجوبا من قبل صاحب الحق، فإقامة الحدود «الانتقام الشرعي» أمر واجب. أما على الصعيد الشخصي فأذية المجرم المؤذي واجبة أيضا، وضرورية للإصلاح لاجتثاث المؤذي من المجتمع، مثلما أن ترك الانتقام منه تشجيع له على استمرار إيذاء الناس والمجتمع.
ولكن إذا أدرك الإنسان أن المجرم قد تاب وتغير وتخلى عن الإجرام وندم على ما فعل في السابق، فالأولى العفو والغفران، لأن في ذلك إصلاح للشخص وأيضا تشجيع على التوبة والندم ولهذا يكره الانتقام هنا.
العفو تشجيع للمنكر:
حث القرآن العظيم والسنة الشريفة على العفو، كما في قوله تعالى: «والعافين عن الناس» وقول الرسول الأعظم المروي: «العفو لا يزيد العبد إلا عزا فاعفوا يعزكم الله»، وقوله أيضا: «ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والأخرة»؟
ولكن هذا القول له حدود فيقصد به أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك، وتعفو عمن أساء إليك أو ظلمك، أما في القتل والزنا فعلينا أن لا نخلط الأوراق، كما حصل في حادثة صفوى، فهذا يسمى إجرام وعلى المجرم أن يعاقب بالقصاص لحفظ دماء المسلمين.
فبعض من كتب في هذا الشأن اعتبر العفو خلق إسلامي ينبغي الأخذ به في كل الموارد، وهذا غير صحيح، وعليه أن ينتبه إلى مقيدات العفو حتى لا يصبح الأمر مشوها لا يعكس رأي الدين.
والذي ينبغي أن يقال في هذا المورد: أن للإنسان حرية الرد على الإساءة وفق حدود الشريعة والإسلام، وهذا حق من حقوق الإنسان، شرط ألا يفسد هذا الرد المجتمع ويقع في أذية أكبر من الأذى الأول أو الاعتداء الأول، وما دام هو حق فهو مالكه، متى ما شاء أنفذه ومتى ما شاء تنازل عنه.
إلا أن الإنسان إذا تنازل عن حقه بصورة عامة تشجع المجرم على أن يسيء ويستمر ويتمادى في أذية الناس والمجتمع أكثر، بل يشجع غيره على الإساءة فمن السلوك الخطأ ما يحصل عند بعض الناس من طلب التنازل عن جرم المجرمين وأذية التعدي على الأخرين في مجال القتل أو الزنا، حيث تدخل المحسوبيات والوساطات وتدخل المشايخ والوجاهات في سبيل ذلك، ففي هذا تشجيع للمنكر والتمادي والاستمرار في تسهيل الإجرام، فالمجرم يجب أن ينال جزاءه، والمؤذي يجب أن يتعرض للعقوبات الاجتماعية والرفض الاجتماعي، بمعنى أن العقوبات الاجتماعية ومقابلة الخطأ بالردع هي مواجهة عامة للأخطاء في المجتمع ومحاربتها، وعكس ذلك يقويها.
لكن بعض الأحيان تصدر الإساءة إما من باب عدم القصد أو من باب التقصير غير المقصود، أو قد يرتكب إنسان خطأ معينا فيندم عليه، وما دامت الغاية هي إصلاح المجتمع لا محاربة المفسد أو المخطئ ذاته، ففي هذه الموارد وما شابهها لا يحصل ضرر على المجتمع من هذا الخطأ بصورة عامة، ففي بعض الأحيان يكون غير ناتج عن عزم مسبق وإرادة متكاملة، وفي أحيان أخرى تصلح النفس بعد الخطأ ففي هذه الموارد ينعدم تقريبا الانعكاس العام للإساءة على المجتمع، وتبقى فقط الإساءة الفردية، أي وقوع الأذى على فرد معين. والإسلام يخبرنا هنا بأن التنازل عن حق الرد أو العقاب في هذا المورد أمر ينفع المجتمع أكثر من الاحتفاظ به، أي المسامحة هنا تنفع المجتمع أكثر من المعاقبة، وهي أيضا تزكي من يعفو نفسه، فتعود بالطمأنينة وراحة البال عليه، وخاصة إذا كان العفو يتعلق بالأمور الصغيرة أو الأمور العائلية التي مضت عليها مدة طويلة ولا ينفع اللوم عليها.
وما أحلى الإنسان وهو يتجاوز عن الصغائر بل الكبائر من الأمور التي هي في مورد العفو، فالمسامحة تزكي المسامح، وتصلح المخطئ أكثر، إذن فهي أيضا تفيد المجتمع من نقاط متعددة،
وهذا التنازل والعفو بالشروط المذكورة هو المقصود من الروايات والآيات حيث مدحت العفو في الصغائر التي هي في مورد العفو فتصلح المخطئ وتفيد المجتمع.