13 وسيلة تصل فيها رحمك
”كثر التواصل وقل الوصل“ كلمة قالها سائق الأجرة ”سعد“ وهو من كبار السن من أهل المدينة المنورة عندما ركبت معه وقت الظهيرة وطلبت منه أن يفتح المكيف في السيارة، فابتسم وقال لي: أنتم جيل المكيف، فالتفت عليه وقلت له: ولكن الجو حار ثم بدأ يتحدث عن طفولته فقال: لقد تعودنا علي الجو الحار وكنا نستظل بظل الأشجار ونحن صغار ونبلل أجسادنا بالماء مع حرارة الشمس ومع هذا كله كنا نصل أرحامنا فنمشى علي أقدامنا لزيارتهم أو علي الإبل وبيننا وبينهم مسافات بعيدة.
ثم سكت فقال: أما اليوم فأنا ألاحظ الناس مشغولة بالجوالات وتتواصل مع بعضها بالهاتف ولكن الوصل للأرحام انقطع بينهم، ثم ابتسم وقال: هل تعرف أن الصحة التي أنا بها والرزق الذي عندي بفضل الله وبسبب صلة الرحم تطبيقا لكلام رسولنا الكريم ﷺ: «من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره «يؤخر له في عمره» فليصل رحمه»، وهذه المعاني صارت مفقودة اليوم مع كثرة انشغال أولادنا وبناتنا بالهواتف، ثم عبر تعبير جميل فقال: لقد كثر التواصل هاتفيا ولكن قل الوصل جسديا بين الأرحام والأقرباء.
ودار الحديث بيننا حول بركة صلة الرحم وخاصة بشهر رمضان المبارك حتي وصلت المطار، وجلست أفكر بكلامه وهو يقارن بين الحرص علي القيم في الماضي والحاضر، فالموضوع الذي طرحه مهم وجلست أفكر في الوسائل التي يستطيع الواحد منا صلة رحمه فجعمت «13» وسيلة وهي: زيارتهم وتفقد أحوالهم والإتصال بهم وإذا عرفت بضعف أحوالهم المادية تساعدهم وتوقر كبيرهم وترحم صغيرهم وتحترم مكانتهم الإجتماعية وتشارك أفراحهم وأحزانهم وتعود مريضهم وتتبع جنازتهم وتجيب دعوتهم وتسعى للإصلاح بين المتخاصمين أو الزوجين منهم وآخرها الدعاء لهم، فكل هذه الوسائل من صلة الرحم.
فالناس تتسابق لعمل السنن من صدقات وصلاة للقيام وتقصير للثوب والإنشغال بالأذكار إلا إن تسابقها لصلة الأرحام أولى لأنها فريضة، وتاركها عقوبته كبيرة فإنه لا يدخل الجنة ويعجل الله له العقوبة في الدنيا كما قال رسولنا الكريم ﷺ«لا يدخل الجنة قاطع» وقال ﷺ «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه بالعقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم»، ولهذا فإن الناس في صلة الرحم علي خمسة أقسام: الأول وهو الأفضل أن تصل لمن يسيء إليك، والثاني أن تصل من قطعك وهي درجة رفيعة كذلك، والثالث وهو المكافئ الذي يصل من وصله ويقطع من قطعه يعنى يعامل الناس بالمثل، والرابع المقاطع وهو الذي يقطع من وصله، والخامس المسئ وهو الذي يسئ لمن أحسن إليه ويقطعه ويؤذيه وهو أسوأ الأصناف.
وقد كان رسولنا الكريم ﷺ يصل رحمه فقد بدأ بدعوة أهله وعشيرته، وكان يدعوا لهم ويثني عليهم ويوصى بهم ويتالم لإيذاء أحد منهم، فقد دعى لإبن عباس وهو ابن عمه أن يعلمه الله التأويل، وأثني علي خاله سعد فقال: هذا خالى فليرني امرؤ خاله، ومدح ابن عمه الزبير فقال: لكل نبي حواري وحواري الزبير، وكان يزور من يمرض منهم ويدعو له وقال عن عمه العباس: من آذي العباس فقد آذاني، بل إن السيدة خديجة رضي الله عنها جعلت من حرص النبي علي صلة الرحم سببا لحفظه من أي خطر أو تهديد فقالت عندما نزل عليه الوحي «لا تحزن... إنك لتصل الرحم»
فصدق السائق ”سعد“ عندما قال واصفا هذا الجيل «كثر اليوم التواصل وقل الوصل»، فاستثمار المناسبات والأعياد للتواصل العائلي يزيد من التكافل الإجتماعي ويعرف الصغار بشجرة العائلة، وإنا شخصيا أعرف أكثر من شخص دخل في الإسلام من بوابة صلة الرحم، لأن الأجنبي في الغرب ينقطع علي عائلته إذا كبر ولا يوجد أي التزام قانوني أو ديني أو حتى اجتماعي يربطه بعائلته فعندما يتعرفون علي قيمة صلة الرحم ينبهرون بها فتكون سببا في دخولهم للإسلام.