لا تقتلوا يوسف!!
الحديث عن شجاعة اللسان، والنطق بالحق، فقلما نجد من يمتلك بسالة الكلمة، ويتسلح بشجاعة الموقف، لهذا قال الإمام علي: ”ما ترك لي الحق صاحبًا“، ونتحدث في هذه العجالة عن كلمة رصاصة أطلقت من فم شقيق أمام جمع مخالف يرعد ويزبد: «لا تقتلوا يوسف»، كلمة حق قالها «يهوذا» أمام ذئاب بشرية ضارية تتوثب للفتك والافتراس، ليس من السهل السير عكس التيار، بل من الصعب أن تكون الرقم المخالف أمام زوبعة متعطشة لسفك الدم، فلربما يكون المعترض ضحية وهذا متوقع، فمن يقف أمام فوهة المدفع سيخسر رأسه لا محالة!!
«لا تقتلوا يوسف»، إنها كلمة صادقة من قلب مخلص صادق، قالها يهوذا ليدافع بها عن شقيقه الذي اجتمعت الأيدي على قتله، أي نفس امتلكها هذا الفتي، ليقول للجميع كلمة: «لا»، الشجاعة أحيانًا أن نقول كلمة، وهي محك الاختبار، استطاع يهوذا بهذه الكلمة أن يوقف قاف القتل، رغم أن ما وقع على شقيقه ليس بالأمر الهين، لهذا قال يعقوب فيهم صارخًا حين استشعر الخطر، وعلم أن أنفسهم سولت لهم أمرًا: «الويل لكم ماذا فعلتم بيوسف؟!».
ليس القتل نوعًا واحدًا، إنما هناك كلمات صغار لها وقع الرصاص أحيانًا، فهل سنمارس القتل برصاصات كلماتنا؟، وضع اللسان في محبسين حتى لا تجرح حروفه أحدًا، فكلم اللسان أنكى من كلم السنان، كما جاء في المثل العربي، وبالفعل كثيرًا ما تكون مدية اللسان جارحة، فهل نعي؟، يقول الإمام الشافعي:
اِحفَظ لِسانَكَ أَيُّها الإِنسانُ
لا يَلدَغَنَّكَ إِنَّهُ ثُعبانُ
كَم في المَقابِرِ مِن قَتيلِ لِسانِهِ؟
كانَت تَهابُ لِقاءَهُ الأَقرانُ
وكان أحد الصلحاء يضع حصاة في جوف فمه حتى لا يعثر به لسانه، فإن رأى ما سيقوله حقًا استخرج الحصاة ونطق، وإلا فلن تغادر الحصاة مخبأها، ليعم بذلك السلام، الخلاصة إننا نحتاج لإشارة مرور تزن الكلام قبل أن يخرج على عواهنه كيفما اتفق، فتسمح بحديث، وتمنع إذا كانت الإشارة حمراء، ومن يقطع إشارة المرور حق عليه عقاب.