وقفات تأمل مع ألفاظ الذكر الحكيم - ”الْحَيَوَانُ“
الوقفة السادسة مع ”الْحَيَوَانُ“.
ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم مرة واحدة فقط في قوله تعالى من سورة العنكبوت في الآية الكريمة 64 ﴿وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.
حَيَوَان بفتح الحاء والياء والواو من الحياة على وزن فَعَلَان. ومن ما ورد في الذكر الحكيم على هذا الوزن شَنَاَان «شَنَآن».
ووزن فَعَلَان يفيد استمرارية الحركة للحالة الموصوفة أو ما يسمى بالانطلاقة «Dynamic». فيقال لحركة ماء النهر جَرَيَان، ولحركة الطير في الهواء أو الطائرات في الأجواء طَيَرَان. ومن الأمثلة الأخرى غليان «السوائل»، دوران «العجلات»، هيجان «الرياح والأمواج»، ثوران «البراكين».
ولفظ حَيَوَان من الحياة بينما لفظ حَيْوَان من الحي، والفرق بينهما شاسع. فالحَيَوَان هي الحياة المتجددة التي لا يعتريها فتور أو توقف ولا يصاب صاحبها بالتعب والعجز ولا يعتريه الملل والسأم. بينما الحَيْوان هو الكائن الحي المتصف بالقدرة على التنقل لذا لا تعد النباتات من الحيوانات وإن كانت من الكائنات الحية.
﴿وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾
الآية الكريمة تقارن بين حياتين. الأولى حياة قصيرة ويشوبها العجز والضعف وعدم الراحة وأفضل أوقاتها حيث تكون ذات نشاط وحيوية هي مرحلة الطفولة حيث اللعب واللهو. أما بعد هذه المرحلة القصيرة فهي مملوءة بالشقاء والتعب والفتور في إطراد متزايد حتى تنتهي بصاحبها إلى العجز التام فالقبر. وهذه الحياة إذا خلت من الأهداف النبيلة والغايات السامية لم ينل منها صاحبها سوى الخسران والندامة.
وحياة أخرى هي حياة المؤمن في الآخرة ”الحَيَوَان“، حياة متجددة دائمة الحيوية لا يعتري صاحبها ملل ولا ضجر ولا يصاب باكتئاب أو قلق. ”الحَيَوَان“ حياة عنفوان متجدد ونشاط مستمر لا يفتر، حياة لا تكرار فيها، تجدد أحوال صاحبها آن بعد آن.
وقوله تعالى في ذيل الآية ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ حث للناس للمبادرة باغتنام حياتهم الدنيا واستثمارها للفوز بتلك الحياة ”الْحَيَوَانُ“. فالفرصة لا تتكرر والمغنم المؤمل أسمى من أن يفرط فيه بمماطلة أو بتريث وتسويف.