وقفات تأمل مع ألفاظ الذكر الحكيم - ”مَذْءُومً“
الوقفة الخامسة مع ”مَذْءُومً“
ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم مرة واحدة فقط في قوله تعالى من سورة الأعراف
﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا ۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأعراف: 18]
مذءوم «مذؤوم» على وزن مفعول بهمزة في موضع العين، من الفعل ذأم. والذأم السوق العنيف والأصل فيه حال الفريسة وهي في أرض سباع تطاردها بلا انقطاع، فما أن تنجو من أحدها حتى تصبح طريدة لآخر. فتبقى مطاردة حتى تهلك.
أما لفظ مذموم المشابه له والذي يشترك معه في شيء من المعنى فقد ورد في القرآن الكريم مرتين فقط وفي سياق واحد في آيتين من نفس السورة سورة الإسراء.
• ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا «18» وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا «19» كُلًّا نُمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا «20» انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا «21» لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا «22»﴾.
والفرق بين الذأم والذم أن الأول يعني الطرد المتصاعد مع الخزي والهوان، حتى يورد المذؤوم أسوأ النهايات. بينما المذموم هو من يجني ثمار فعله القبيح أو خلقه السيء خزيًا وعارًا
هل وجود الشيطان في الحياة هو بمثابة وضع العصا في عجلة الهداية والإيمان؟!!. فإذا كان الله عز وجل يريد للإنسان الهداية والامتثال لأمره ونهيه، فلماذا سلط عليه الشيطان أو أوجده في طريقه ليصرفه عن ما أراد الله منه؟!!
حقيقة الأمر أن مصير الإنسان بيده هو وحده وليس لأحد سواه تأثير عليه إلا بمقدار ما يسمح الإنسان نفسه بالتأثير عليه. قال تعالى في سورة الشمس ﴿وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا «7» فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا «8» قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا «9» وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا «10»﴾. هذا تصريح جلي من القرآن الكريم يحمل الإنسان وحده المسؤولية عن حياته وجميع تصرفاته ونتائجها. وهذا تصريح آخر ينفي أن الله سلط الشيطان على الإنسان ويوضح أن الإنسان هو من يقدم نفسه للشيطان على طبق من ذهب قال تعالى من سورة النحل ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ «99» إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ «100»﴾
ما هو الهدف من وضع الحواجز في مضمار السباق؟ هل المراد منه إعاقة المتسابقين وإيذائهم أم أن المراد رفع قدراتهم ومهاراتهم!
كلما كانت الإنجازات المطلوبة أكثر قيمة وأنبل هدفًا كان الإعداد لها أكثر صعوبة وأشد خطورة. فرجال الإطفاء ما كان في مقدورهم القيام بمهامهم إن لم يجتازوا تلك التدريبات الشاقة. ولم يكن في وسع الجيوش أن تكسب المعارك لو لم تخضع أفرادها إلى تدريبات خطرة ومرهقة، فيها من التعب والعناء والخطورة ما يعجز غير الجندي عن تحمله.
وهكذا هو الأيمان لا يتحقق بمجرد طقوس هي أقرب إلى العادات. بل لا بد من اجتياز ابتلاءات شديدة وامتحانات قاسية تسفر عن توطين النفس على المتاعب حتى تجد متعتها ولذتها في تلك الابتلاءات، ولا تتأثر إرادتها لأي خسارة محتملة مهما كانت جسيمة كفقدان الحياة أو الولد أو المال لا لأي إغراء مهما كان ثمينًا ونفيسًا والحاجة إليه ماسة.. فما كان نبي الله إبراهيم ليسارع إلى ذبح ابنه بنفس راضية وما كان إسماعيل ليسلم بنفس راضية أيضًا لو كانت حياتهما خالية من الابتلاء.
فالمهمة هي صنع الإنسان المؤمن الذي لا تطغيه الدنيا وزخرفها ولا تخيفه الأهوال وكوارثها.
فما الشياطين في الحياة إلا كالحواجز في مضمار السباق وكالتدريبات الشاقة للجنود ورجال المهام الصعبة.
من خلال الشياطين نتعرف على أنفسنا.