آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

المعادل الهيدروجيني في شهر رمضان

برير السادة

كتب الشاعر أحمد شوقي في كتابة ”سوق الذهب“ الصوم حرمان مشروع وتأديب بالجوع" وذلك لأن كثرة الشبع والتخمة والشره في الطعام والشراب مما يضيق بالنفس ويثقل الروح ويؤثر في الأجسام تأثيرا مضادا للصحة والعافية. وهو مما يظلم الروح، ويظفئ البصيرة ويشوه جمال ما بداخلنا.

من هنا كان الجوع ميراث الأنبياء وصانع الفطنة، وجالب الراحة ودافع السقم. ورد في فضله الكثير مثل قول الأمير ”نعم العون على أسر النفس وكسر عادتها التجوع“. وحسبك أنها أضحت عبادة واجبة - صوم شهر رمضان - يراد منه تهذيب الطباع وترويض النفس وسمو الروح والعودة بها إلى مدارج الكمال وبناء الشعور الإنساني والإحساس بما يكابده الآخرون من شظف العيش وصعوبة الحياة وتذوق الخير.

وبالطبع لا نعني بالجوع ما يلتصق فيه البطن بالظهر ويذوب فيه اللحم والشحم ويصير الجلد على العظم ويسقط الهمة ويهرم الأجسام ويسؤ الخلق وإنما ما يبقي مؤشر الإنسانية حيا نابضا، ونستشعر معه عظيم نعم الله التي تحيط بنا. فالإنسان يتدفق بالعطاء والحب والتسامح عندما تتوهج روحه ويصفو باطنه من كدر التراكمات ونوازل الزمان. وهو أقرب ما يكون في هذه الحالة وقت الصيام، فيعيد وصل الأشياء بما يوافقها ويخلق التوازن فيها ويسري فيها الاعتدال والسكينة حتى يصل إلى التعادل الهيدروجيني بين النفس والروح والجسد

شهر رمضان يعيد للأشياء رونقها وبهجتها ويغدوا أكبر نادي ومنتدى للقرآن الكريم وتلاوته وتعليمه وأكثر شهور السنة تضرعا وتوسلا إلى الله فيلتقي على ضفافه نور الكتاب ببصيرة الروح فتسمو الذات وترتقي.