وقفات متأملة مع ألفاظ من الذكر الحكيم - ”الْمَثُلَاتُ“
قال تعالى ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ ۗ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ ۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الرعد، 6].
الْمَثُلَاتُ: مَثُلَات جمع مَثُلَة، بفتح الميم وضم الثاء وفتح اللام. ولم يرد لفظ الْمَثُلَاتُ إلا مرة واحدة في القرآن الكريم وهو في هذه الآية المباركة رقم 6 من سورة الرعد. ولم برد لها نظير في القرءان الكريم من حيث الوزن سوى لفظ واحد وهو صَدُقَاتِ في قوله تعالى و﴿َآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا﴾ [النساء، 4]. وصَدُقَاتِ جمع صَدُقَة. ولفظ صَدُقَاتِ لم ترد في القرآن الكريم إلا في هذه الآية أي أنها لم ترد سوى مرة واحدة.
الْمَثُلَاتُ العقوبات الشديدة الباقية الأثر والتي تكون مضرب مثل في العقاب. وهي جمع مَثُلَة من الفعل مَثَلَ، يَمٔثُلُ ك أكل، يأكل. وسميت مثلات لان آثارها تبقى ماثلة للعيان ولا تزول. ومنه المِثٔلَة بكسر الميم وسكون الثاء وفتح اللام وتعني التعدي على جسد القتيل بالقطع والسمل والتشويه أو الحرق، وفي الأثر ”إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور“.
والْمَثُلَاتُ المشار إليها في الآية الكريمة هي ما حل بالأقوام السالفة والتي تمر بها قريش من حين لآخر في طرق تجارتها كقوم صالح «ثمود» وقوم لوط وأصحاب الأيكة والتي أشار لهم قوله تعالى ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ «137» وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ «138»﴾ [الصافات] وفرعون الذي قال الله فيه ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ [يونس، 92]
﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾.
كانت قريش تخاطب الرسول عليه الصلاة والسلام قائلة له بلغة المستهزئ المتكبر فلتنزل بنا العقوبات التي تخوفنا بها إن كنت صادقًا.
وقد حكى الله عنهم بعض مواقفهم الكم في عدة مواضع في القرآن الكريم منها:. ﴿ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين﴾ [العنكبوت، 53-54] وقال: ﴿سأل سائل بعذاب واقع﴾ [المعارج، 1] وقال: ﴿وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب﴾[ص، 16] أي: حسابنا وعقابنا، كما قال مخبرا عنهم: ﴿وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم﴾ [الأنفال، 32]
وهنا يتبين مدى الصعوبات والتحديات التي تواجه عملية الإصلاح الاجتماعي ومدى تعنت المستكبرين وصلفهم وأنه لا يرجى منهم مواقف إيجابية نحو الإصلاح. فهم دائمًا ما يبعثون برسائل الغاية منها بث اليأس والقنوط لدى المصلحين وأن جهودهم لا تعدو كونها نفخ في شبك.
عدم ظهور نتائج سلبية لأعمالنا لا تعني بالضرورة أنها أعمال صالحة وأننا على صواب.
قد ينخدع البعض بصوابية منهجه وصحة أعماله لأن حياته ببساطة تسير بنحو طبيعي وليس لديه مشاكل. بعض الأعمال الباطلة أو غير الصحيحة لا ترى نتائجها السلبية فورًا لأن هناك عوامل أخرى تحد من تداعياتها السلبية على صاحبها فعليه أن لا يغتر بهذه المهلة بل ينبغي منه اغتنام هذه المهلة ليقوم بعملية تصحيح ولا يكن من الغافلين كالذين ابتلعت أسواق الأسهم مدخراتهم في طرفة عين. فهناك أجواء إملاء ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ [آل عمران، 178].
وفي المقابل لا تعني المتاعب والمصاعب وبعض الخسائر التي تصاحبنا في حياتنا أننا نسير في الاتجاه الخاطئ أو أن أعمالنا باطلة أو غير صحيحة. بل علينا أن نعيد النظر في المعوقات فلربما هناك عوامل مضادة أغفلناها من حساباتنا ولم تكن في حسباننا كان الأولى بنا التخلص منها من البدء أو تحييدها على الأقل، أو أن المطلوب منا زيادة الجهد والتحلي بالصبر والنفس الطويل.