المؤثرون ودورهم في المجتمع
كثيرا ما نسمع ونقرأ عن مهن المستقبل وكيف لنا أن نصنف هذه المهن ومدى قابليتها في تلبية المتطلبات العصر الحديث من تقنيات وقدرتها على مخاطبة العقول البشرية فلعل أحد أهم هذه المهن المطلوبة في المستقبل هي وظيفة أو مهنة المؤثرون رغم تواجدها منذ الأزل بطريقة أو بأخرى ولكنها تطورت بشكل يتناسب ومتطلبات العصر التقني الحديث فلكل وظيفة أو مهنة قالبها الخاص بها ومهامها الوظيفية التي من خلالها تؤديها ضمن إطارها المتعارف عليه في الأنظمة والقوانين الخاصة بها ليستطيع الممارس لها أداء وظيفته حسب النظام بتكامله مع باقي المهن ذات العلاقة.
فمن المتعارف عليه قديما كان المؤثرون في المجتمع هم الوالدين في المرتبة الأولى ومن ثم أئمة المساجد أو خطباء المنبر الحسيني والمعلمون وأخيرا الأصدقاء وكان هؤلاء لهم الدور الأكبر في التأثير والتوجيه للمجتمع من حولهم، ولكن التطورات والحداثة فرضت نوع آخر من المؤثرون اختلفت وظائفهم والهدف والغايات من خلال منظومة متكاملة ألا وهي وسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها والتي استطاعت في فترة وجيزة من رسم مسار المجتمعات وتوجيه عقول متابعيهم ومستخدمي هذه الوسائط بطريقة ممنهجة.
فالمؤثر ليس فقط من يستخدم مواقع التواصل لهدف تجاري فقط ويسعى لتحقيق أرباح مالية من خلال التسويق لمتابعيه إعلانات التجارية لمنتج معين ولكن بعضهم لديه أهداف أخرى يسعى إلى تحقيقها أيضا من خلال هذه المنصة الإعلامية بفرض وطرح بعض التوجهات الفكرية المؤثرة ويهتم بمشاركة المتابعين لهذه المواضيع الفكرية وقياس مدى تفاعلهم وتقليدهم في ما ينشر من محتوى رخيص للاستفادة من ذلك للسيطرة على عقول الشباب بتوافه الأمور فكريا واجتماعيا ولكسب المال أو الشهرة وهؤلاء لا يوجد لديهم مصداقية وافتقادهم الشفافية والوضوح في توجهاتهم المخطط لها والممنهجة ضمن آلية العمل التي يعملون من خلالها.
من هذا المنطلق يجب علينا الانتباه ودراسة الوضع ووضع الآليات الصحيحة والواضحة لهذه المهنة ولممارسيها ببذل الجهد المضاعف للتطوير وإيجاد أفضل الاستراتيجيات المناسبة لإرساء قواعد وأخلاقيات العمل التي يمكن أن يتطور من خلالها العديد من القيادات المؤثرة في مجتمعاتنا والتي ستنعكس تلقائيا في رفع ثقافتهم وتطويرهم في جميع مناحي الحياة الاجتماعية والمهنية وإحدى هذه الاستراتيجيات عي تدريبهم على أخلاقيات المهنة والمساهمة في تطوير محتوى هذه الفئة ليستطيعوا تحقيق الغاية في إيجاد المناخ والبيئة المناسبة للتنوع الفكري الهادف وقيادة التغيرات في مجتمعاتنا،
السؤال الذي يفرض نفسه في هذه الاستراتيجية، هل جميع المؤثرين أصحاب محتوى نافع جاهزين لمثل هذا العمل؟
إن ترسيخ القيم والمفاهيم الأصيلة في المجتمع تحتاج إلى مؤثرين حقيقين أصحاب مدرسة فكرية متعمقة في الاتجاه الصحيح ذات مبادي راسخة وهادفة للمجتمع، تعرف ما هو محتواها وكيف تؤديها بصدق متمكنة من أداء رسالتها بشكل صحيح قادرة على التصدي للتحديات الفكرية المعاصرة ومحصنة المجتمع ضد هذه التيارات الدخيلة على مجتمعنا حتى نستطيع للوصل لذلك.
ومن أهم صفات المؤثرين الذين نحتاجهم لتلك المهمة الصعبة في الممارسة والتطبيق لننتج مجتمع واعي هادف هي القدرة على الانطلاق بحرية بعيدا عن التغيير الفكري العبثي لحياته ومعتقداته بشكل لا يتناسب ومعتقداته الدينية وأعرافه المجتمعية، قادرا على مواجهة التيارات الفكرية المعاصرة الرخيصة ذات الأهداف الدنيوية البعيدة عن قيمنا، محصنا ضد الأهداف السوداء حتى لا تنتج مجتمعات خاوية غايتها الانحطاط الفكري والخراب المجتمعي، قادرا على توجيه الآخرين وجذبهم إلى أفكاره ومحتواه مهما كان مستواه الفكري والثقافي فالكريزما الذي يمتلكها في خطابه جاذبه ومشوقه للأمور التي يدعو إليها بطريقته معتمدا على ثقافته الذي يقدمها لمن يؤثر عليهم واثقا من قوة تأثيره وتجاوب الآخرين لسلوكياته والاستجابة لتصرفاته وأقواله بالفعل مثلما يمليه عليهم.
كل هذا لا يمكن أن يكون إلا من شخص لديه ثقة بنفسه وإيمانه بما لديه من محتوى ذو قيمة وقويا محترما لمشاعر من حوله وتعامله الأخلاقي راقي ليكون تأثيره ذو منحى إيجابي هادف فيؤدي إلى الثقة في التعاطي لمحتواه الفكري بالإضافة إلى إعطاء مساحة من الحرية في التعامل مع الآخر والسماع لمن يؤثر عليهم لتكوين علاقة متبادلة بينهم بالتقرب إليهم ومعرفة دواخلهم وكسب احترامهم وثقتهم فيه.
كل ذلك لا يتم عشوائيا دون هدف مخطط له ومدروس بشكل جيد برسم رؤية هادفه ومؤثرة ومرتبطة بمتابعيه ومريديه والاهم من ذلك الوضوح بعيدا عن الغموض، والقدرة على استخدام جميع التقنيات ذات العلاقة بالتواصل الاجتماعي واستخدامه بالشكل الصحيح لإيصال الأفكار المطلوبة.