إعلاميّ المثقَّفين ومثقَّف الإعلاميِّين
حدائقُكَ «السبعون» تندى وتُزهِرُ
وأشجارُها بالفكرِ تنمو وتُثمِرُ
ولو قِيسَ عُمْرُ المرء يومًا بحَظِّهِ
من العِلمِ لامتَدَّتْ بعُمْرِكَ أَعصُرُ
حينما يكشف «الإعلامُ» عن وجهه الحقيقيّ المضيء، تظهر لنا صورة الإعلامي الكبير الأستاذ محمد رضا نصر الله، وحينما تكشف الثقافةُ عن محيَّاها الناصع الأصيل، تظهر لنا أيضا صورة المثقف الكبير الأستاذ محمد رضا نصر الله. هو إذنْ، المثقف الإعلامي الذي دخل إلى عالم الثقافة على مركبة النزاهة فملأ التاريخ بالشرف، ودخل إلى عالم الإعلام على مركبة الصدق فمَلَأَ التاريخ بالحقائق. باختصار مفيد، هو الإعلامي في المثقفين، والمثقف في الإعلاميين. كلما جاعت الكلمة، قدَّم لها وجبةً كاملة الدسم من الصواب، وكلما مدَّت الأسئلة أيديها للمصافحة، مدَّ إليها يديه في شكلِ إجاباتٍ دافئة.
هو الشخصية الوطنية بامتياز الأستاذ «محمد رضا نصر الله».. والاسمُ سحابةٌ ثقيلة في سماء الأفكار أمطرتْ وما زالت تُمطِر ماءَ الوعي على مدى خمسين عاما ونيِّف.
منذ أنْ كان هذا الاسم، كان في المعرفة حيث كلامُها في لسانه، وبصرُها في عينيه، ونبضُها في قلبه، وكأنَّ بينهما علاقةً عرفانية.
لقد أتقنَ «الأستاذ محمد رضا» اللعبةَ الإعلامية، ولكنه لم يستخدم براثنَ الإعلام كي يقتات بها، وإنما استخدمها للدفاع عن الحقّ ومفاهيمه العليا.
هو الحارس الأمين لتراث أمَّته، وهو المكافح والمنافح عن حقائق هذا التراث، وقد تجلَّى ذلك في مقالاته التي ملأت الصحف السعودية، وفي مقابلاته الطويلة مع المثقفين العرب من شعراء ومفكرين ونقَّاد وغيرهم.. تلك المقابلات التي لا تعكس حجم ثقافته فقط، وإنما تكشف حجم إيمانه بالثقافة والتراث وأهميَّتهما في بناء مستقبل الأجيال. كلُّ «مقابلة» تختصر كُتُبًا معرفيَّة، وتمنح المشاهدين جرعةً ثقافيةً عالية تنتشي بها العقول والبصائر. لذلك، ما زالت الشاشات التلفزيونية تتسامر بتلك المقابلات حتى أصبحت حديث الناس منذ سبعينات القرن العشرين إلى اللحظة الراهنة.
في الختام، أستطيع أنْ أقول إنَّ «الأستاذ محمد رضا نصر الله» نتاجُ سياقاته البيئية من ثقافة ودين وتقاليد بامتياز، ولكنه أيضا منفتحٌ على كل السياقات الإنسانية التي تتمدد فيها هويَّته، فهو لا يرضى للهوية أن تبقى صخرة جامدة، وإنما بسطها على مدى الجغرافيا التي يعيش فيها الإنسان.
وفي ختام الختام، أجدد تحيَّتي القديمة للصديق أبي فراس:
بِاْسمِ الإخاءِ وأنتَ جَنَّةُ عَدْنِهِ
أُهديكَ من سلوى الكلامِ ومَنِّهِ
نَبَتَ الربيعُ «أبا فراسٍ» بيننا
وتفتَّحتْ في القلبِ وردةُ حُسْنِهِ
بيني وبينكَ من خَضَارِ مَوَدَّةٍ
ما كانَ بينَ «أبي نُوَاسَ» ودَنِّهِ
بيني وبينكَ ما تُخَبِّئُهُ «الحَسَا»
لل «خَطِّ» من أغلى الهوى وأَحَنِّهِ
ما هَبَّ من «هَجَرٍ» نسيمٌ حالمٌ
إلا تَقَلَّبَتِ «القطيفُ» بحِضْنِهِ
رُوحانِ آمنَتَا بسرِّ هواهما..
لن يقلبَ الإيمانُ ظهرَ مِجَنِّهِ!
روحانِ تبتكرانِ من معنى الهوى
قمرًا غريقًا في بُحيرةِ لَوْنِهِ
فكأنَّنا في الحبِّ بيتٌ واحدٌ
لا يستعيضُ جدارُهُ عن رُكْنِهِ
وكأنَّنا في الحبِّ نصٌّ خالدٌ
جَمَعَ الرُّواةَ على حقيقةِ مَتْنِهِ
** **