العادات الذرية
الفريق الإنجليزي للدراجات لم يفز طيلة 110 سنة إلا بميدالية ذهبية واحدة في الألعاب الأولمبية، حتى عام 2003م حين تم تعيين «ديف بريلسفورد»، كانت سمعة الفريق متواضعة جدا إلى درجة أن إحدى شركات تصنيع الدراجات رفضت بيعهم دراجاته، لكي لا يؤثر سمعتهم السيئة على دراجاتها.
بريسلفورد اتبع استراتيجية جديدة يشير إليها باستراتيجية «تراكم المكاسب الهامشية» وملخصها أن تهتم بتحسين كل العوامل الهامشية البسيطة، فأعادوا تصميم مقاعد الدراجات لتكون مريحة، ومسحوا الإطارات بالكحول لتكون ثابتة على الطريق بصورة أفضل، وطلبوا من الدراجين ارتداء سترات التي يرتديها دراجو الصالات والتي تكون أخف وزنا وأقل مقاومة للهواء.
واختبروا كريمات خاصة للتدليك تعافي العضلات بصورة أسرع، واستعانوا بطبيب يعلمهم كيف يغسلوا أيديهم بشكل أفضل لتفادي الإصابة بالأنفلونزا، وحددوا أنواع الوسائد التي تتيح للدراجين النوم بشكل أفضل، ومع تراكم كل هذه التغييرات وصلت النتائج بشكل أسرع مما هو متوقع، فخلال خمس سنوات، هيمن الفريق الإنجليزي على كل مسابقات الصالات المفتوحة، في أولمبياد بكين 2008، وفاز بنسبة 60% من الميداليات الذهبية المتاحة، وبعدها بأربع سنوات حطم الدراجون الإنجليز، تسعة أرقام قياسية أولمبية وسبعة أرقام قياسية عالمية، وفي العقد ما بين 2007-2017 فاز الدراجون الإنجليز ب 178 مسابقة عالمية، يذكر هذه القصة الكاتب جيمس كلير، في كتابه المطبوع حديثا «العادات الذرية».
الفكرة أنه في كثير من الأحيان نعتقد أن النجاح الكبير لا يحدث إلا بفعل كبير، تجاه أي قضية شخصية أو إدارية أو خلاف ذلك، بينما التحسن التدريجي البسيط والمستمر جدير بتحقيق ذلك المطلب الكبير، بيسر وسهولة، فلا يهم كثيرا مدى نجاحك أو عدمه في الوقت الحالي، المهم ما هو الطريق الذي تسلكه الآن، لأنه هو من سيوصلك في المستقبل إلى موقع جديد.
ولو قللت مما تأكل يوميا مقداراً بسيطاً، فإنك في الغالب لن تحس به، ولن يكون صعباً عليك، ولكن النتيجة بعد ستة شهور أو سنة ستكون مذهلة، ولو مارست الرياضة اليوم، وبشكل يومي، فإنك لن تكون رياضيا بعد أسبوع، ولكنك بالطبع بعد سنة ستكون شخصا مختلفا، في العضلات والصحة بالمجمل.
قد يحدث أن ملاكما أصاب آخر بضربة قوية وكانت القاضية وفاز بالمباراة، ولكن هذا لن يجعله يفوز في كل مرة على ذلك الخصم، أو على من يماثله من الملاكمين، إلا إذا كان ملتزما بالتدريب الرياضي طوال سنوات، وان ضربة الحظ التي حصلت لسبب أو لآخر لن تتكرر.
لذا المهم ليس الفوز بالضربة القاضية في أي مجال لأنه في الغالب لن يتكرر، المهم وضع نظام تبدأ به تدريجيا، وهو الكفيل لإيصالك إلى النجاح ربما بعد سنوات، ولكنه نجاح دائم ومستمر.
إننا نعلم أن فريقا سعوديا فاز ذات مرة بعد صعوده إلى دوري المحترفين، فاز بالدوري، ولكن ذلك الفوز لم يتكرر رغم مرور عقد من الزمن، والسبب أن ذلك الفوز ربما بسبب ضعف بقية الأندية، أو لتوفر مدرب ولاعبين وإدارة متميزة في ذلك العام، أو لتوفر بعض تلك العوامل، لذا فإن ضعف الفرق الأخرى قد لا يتكرر وتواجد لاعبين مميزين أيضا قد لا يتكرر، وهذا ما حصل، أما الأندية التقليدية المتصدرة دائما، فهي تسير وفق نظام وممارسة وعادة يومية توصلها إلى البطولة، فالأصل أنهم يسيرون عبر ذلك النظام إلى منصة التتويج.
خلاصة القول إننا من أجل تحقيق إنجاز في أي مجال، يجب أن نسير ضمن نظام مستمر يكون بمثابة عادة لنا، يستلزم تغييرا ولو بسيطا ومستمر، وهو كفيل بتحقيق أهدافنا مهما كانت كبيرة وصعبة.