في يوم الأم.. نستذكر تعالى المجد يا قفص العظام
في يوم الأم تمر بذاكرتي صور مما كتب في شأنها وجلالها، واستحضر عظيم صبرها وتضحياتها في تربية أبنائها. فمن الدين الذي أوصى ببرها معللا بالكثير من والجسيم من عطائها ”فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدا، وأنها وقتك بسمعها وبصرها، ويدها ورجلها، وشعرها وبشرها. وجميع جوارحها، مستبشرة فرحة، محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها، حتى دفعتها عنك يد القدرة، وأخرجتك إلى الأرض، فرضيت أن تشبع وتجوع هي، وتكسوك وتعرى، وترويك وتظمئ وتظلك وتضحى، وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بأرقها وكان بطنها لك وعاء وحجرها لك حواء وثديها لك سقاء، ونفسها لك وقاء تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك“
وإلى الأدب الذي استحضر كل صور عطاء الأمهات وتحملهن الأم واللوعة ومكابدة الدهر بسبب الأبناء، ولعل أوجع ما جاشت به صور الشعر ما قاله الجواهري في قصيدته عن أمه فاطمة ”قفص العظام“ وهو وصف أشاعه الجواهري عن والدته وكانت نحيفة جدا بسبب الحزن والأذى والهموم. وكتب إلى أخته رسالة مواسيا بفقدها تحمل ذات المعنى ”إن كل شيء قد يهون لدي، إلا تصوري أنها حملت معها إلى قبرها جبلاً ضخماً من الآلام، ومن الذكريات، ومن العبر القاسية. لقد رأيت أن أعزيك فأسأت إليك من حيث لا أريد بما أثرت من أشجان، أو بما زدت فيها تقريباً. فإذا بكيت فأضيفي دمعة لحسابي فان عيني جمود“
تعالى المجدُ يا قَفصَ العِظامِ، وبورِكَ في رحيلِك والمُقامِ
وبورك ذلك العُشّ المُضوّي، بوحشته.. وبالغُصص الدوامي
تعالى المجدُ يا أمّ الرزايا، تَمَخّضُ عن جبابرةٍ ضخام
تملّى القبرُ منها أيّ عطرٍ، ووجهُ الأرضِ أيّ فتىً هُمام
ومن رحلة الألم والحزن إلى قوافل التربية وبناء العظماء، فالأم ليست صدرا حنونا وملاذا في النائبات فقط، وإنما وهج من المكرمات ومدرسة للأخلاق والفضيلة، وهو الدور الأهم الذي ينبغي أن يظل حاضرا كي لا تنسلخ الأجيال من هويتها وأخلاقها ولتبقى الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها · أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ