الفريق الناجح بحاجة لتنوع وانضباط وتضحيات وتنازلات «3-3»
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ «8»﴾ صدق الله العلي العظيم - البقرة.
لقد عرفنا مما سبق بأن النبي محمد ﷺ بنى أفضل فريق على مر العصور. فريق متنوع. فيه تأييد ومعارضة. بل فيه خذلان. ولكن تعامل الرسول ﷺ بحرفية عجيبة في الموضوع. وقرأ أنفس الناس. وأشرك المعارضين والخاذلين في الأمر. في بناء الأفرقة الحديثة، من الضروري جدا وجود معارضة «devil advocate» كي يتبنه للأخطار المحدقة ويعرف الأخطاء ويصححها. ولابد من حوار وتقديم تنازلات. صار لي ما يقارب 35 سنة أحاول فيها أن أقنع زوجتي أن نشتري سيارة ذات قمرتين، كونها عملية. ولكنها ترفض، وبقوة. وأنا لا أفرض رأيي عليها، وإن ارتأيت أن كل بيت بحاجة لهذا النوع من السيارات. أظن أنها اقتنعت أخيرا.
ولقد رأينا كيف ضحى الإمام علي وتنازل في سبيل أن يحافظ على الفريق الذي أسسه رسول الله ﷺ. وكيف أن هذه التضحية أتت أكلها حيث حكم المسلمون الشرق الأوسط وما حواليه لمئات السنين وتربعوا على هرم العلوم، إلى أن أتى العثمانيون العنصريون فنخروا الفريق من الداخل، مما أدّى لتردي حال المسلمين.
الشيعة جماعة كانت موجودة أثناء الرسالة المباركة. وهم مجموعة من الناس رجحت الإمام علي على سواه. لم يكن التشيع حينها مذهبا، ولكنه كان ودّا خاصا وسلوكا معينا تجاه محمد وآله. وكان الشيعة حينها نعم الرجال الذين صبروا ونفذوا وصايا الرسول ﷺ وابن عمه بحذافيرها. فرضي الله عن أبي ذر وجابر وسلمان والمقداد وعمار وقمبر وسواهم من الصحابة الكرام. كما أن الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب، استوزر الإمام علي وأعلى مقامه. وكان الإمام علي يعسوبا عاملا لمصلحة المسلمين العامة، قافزا فوق المصالح الشخصية أو الفئوية.
لكن المسار الشيعي انقسم ولم يستمر كما كان عليه في حياة الإمام علي. وظلوا ينقسمون في حياة كل إمام أو بعده. انقسموا في حياة الإمام علي. وفي حياة الإمام الحسن. وفي حياة الإمام الحسين وبعده. وانقسموا في زمن الإمام جعفر وانقسموا بعده. وانشقوا بعد الإمام الكاظم. وهكذا دواليك، ولا تزال الانقسامات مستمرة، كما نراها اليوم على أرض الواقع من تيارات دينية وأحزاب سياسية. وهذا هو الواقع الذي يعجز العاطفيون أن يروه على حقيقته. والاعتراف بوجود مشكلة أول سبيل إلى حلها. ولكن المكابرة لن تجدي وستزيد من الطين بلة.
السلوك الشيعي على مر العصور خلاف روح الفريق التي أسس لها الرسول ﷺ والتي ضحى لأجلها الإمام علي. حتى بات بعض الشيعة يكفرون بعضهم أو يضللونهم. بل وصل الأمر بأن بعض فرق الاثني عشرية لا تُجوّز الصلاة وراء الفرق الأخرى. بل حتى في الأصولية، انقلب الأمر لأحزاب متطاحنة ومتنافسة لا يقبل أن يقدم أي فريق منهم تنازلا لأجل مصلحة الأمة. ويأبى أي فريق أن يحتوي المختلفين وأصحاب التخصصات المختلفة، كما فعل الرسول ﷺ من قبل واستفاد من نظامه الأمريكان والأحلاف في الحروب التي خاضوها.
فريق على صبغة واحدة لا يجدي ولا يتقدم ولا يمكن له أن ينفع نفسه، ناهيك أن يفيد غيره. فريق يؤلب ضد أخيه ويكفره ويضلله ويتقرب لله بسبه ولعنه. وفريق يحارب كل مفكر أو مجدد ويقصيه ويحذر منه. وفريق يعتمد على الخرافات والأساطير والأحلام ليرسخ العقيدة في نفوس الشباب! حتى انقلبت الدنيا إلى فوضى عارمة وضحت معالمها على أرض العراق.
ولن نرى بصيصا من الأمل إلا حين أن يتنازل أصحاب الفتاوى في قضية دخول الأهلة ليصوم ويعيّد أبناء الأمة في يوم واحد. هؤلاء لم يتعلموا من الإمام علي أي شيء. لم يتعلموا أنه تنازل عن حقه الشرعي لأجل فريق نبذه وأقصاه، وذلك احتراما لبناء أسسه رسول الله ﷺ. أصحاب الأمر يختلفون وتسببوا في تشظي الأمة بسبب أفهام مختلفة لروايات ظنية. وأن صحة الحكم فيها لا تتجاوز 34%، حينما يختلف المؤمنون في دخول الأهلة على مرحلة ثلاثة أيام مختلفة.
فإن كان رب البيت بالدف ضاربا، فما شيمة أهل البيت إلا الرقص. إن لم يتنازل ويضحِّ رأس الهرم لأجل مصلحة الأمة، هل سيضحي من هم في أسفله؟ أم أنهم سيتراشقون فيما بينهم ليزيدوا حجم الشرخ الذي لا يزال يتضخم إلى أن تتمزق الأمة الواحدة إلى طرائق قددا.
هذا هو واقعنا؛ سواء اتفقنا أم لم نتفق، رضينا أم لم نرضَ. نحن على أعتاب تغييرات على مستوى العالم، وليس على مستوى الأمة، فقط. فإن لم نجهد لأجل الاحتواء ونبذ الفرقة وترجيح المصلحة العامة، فإننا بذلك نخالف ما فعله الرسول ﷺ وأهل بيته عينا، وكأننا نعاندهم ونتحداهم. ومن المؤسف أن يرضى الناس بمثل هذه الأمور وأن يساهم القاصي والداني والمتعلم وغير المتعلم في تحطيم فريق أسسه عبقري، الرسول ﷺ، وضحى لأجله الورع التقي الذي طبق الإسلام كما يجب، الإمام علي، والذي ضحى لأجله الحسين تضحية ما بعدها تضحية.
فكر أخي المؤمن الغيور على أمتك؛ ألهذا الأمر ضحى الكرام؟ للوصول لهذه النتيجة التي لا ترضي العدو، ناهيك أن ترضي الصديق؟ ألم يأن للمعنيين والمؤمنين مراجعة حساباتهم لتوحيد صفوف الأمة، لأن الوحدة أهم من أي شيء آخر، وهذا ما نص عليه القرآن الكريم: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ «63 - الأنفال». وليعلم المؤمنون الذين قلدهم رسول الله ﷺ القرآن بأن عهد الله يوحد ويؤلف، بينما عهد الفراعنة يفرق ويمزق، وهذا ما استفادت منه الإمبراطورية البريطانية «فرق، تسد»: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ «4 - القصص».
الخيار الأول والأخير بين يديك أيها المؤمن الغيور لتعلم أن كل ما يفرق بين الناس لا يأتي به إلا الفراعنة أو من حدا حدوهم. وأن الداعين للوحدة جماعة يطبقون القرآن ويسعون لتأليف روح الفريق لأجل المصلحة العامة.
اللهم إني بلغت. اللهم فاشهد.