آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

الفريق الناجح بحاجة لتنوع وانضباط وتضحيات وتنازلات «1-3»

محمد حسين آل هويدي *

بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ «30» صدق الله العلي العظيم - الأنفال.

كان الإسبارطيون مجتمعا عسكريا محاربا، يدربون أطفالهم على الحروب منذ نعومة أظافرهم. ويعيشون حالة تأهب في كل الأوقات. عاش الإسبارطيون جنوب اليونان القديمة أقوياء؛ لمدة ثلاثة قرون، السادس والخامس والرابع قبل الميلاد. وكانوا قوما أشداء ولهم احترامهم حتى كان يُعَدُّ الفرد منهم بعدة أفراد من أماكن أخرى. جماعة فرضوا سيطرتهم بالقوة. ولكنهم في النهاية تقهقروا وفشلوا. وظلت الأمم الأخرى هكذا تضم قبيلة أو عرق أو إثنية في مواجهة الآخرين. ولكن كل هؤلاء فشلوا واندثروا؟ لماذا؟ ببساطة، لأنهم لم يكونوا فريقا متنوعا وإن كانوا متجانسين.

رسول الله محمد ﷺ من أكبر عباقرة البشر لأنه استطاع أن يكوّن فريقا متنوعا ومتجانسا يشارك فيه الجميع. وفي أول دعواه ﷺ ذوب الفوارق بين الناس؛ بين السيد والمسود. كما أنه حطم الطبقية بمعول الحب والتسامح والتساوي. كان بنو هاشم سادة قريش بلا منازع، وكان محمد ﷺ سيدهم. وعندما عرض عليهم رسالته لم يقفوا معه أو يوافقوا على ما يطرح لأنه سيذيب سيادتهم ويساويهم مع ياسر وسمية وعمار وبلال وقمبر، وكل المستضعفين والعبيد، آنذاك. كان طرحا مرا لم يستطع الجميع بلعه. وهناك من يتهم الرسول ﷺ بأنه كان طالبا للزعامة. ولكنها كانت قادمة إليه بكل سهولة بدون تعب وضنى لأن سيادته وحكمته وأخلاقه والكاريزما التي يحملها تؤهله لزعامة قريش. إلا أنه كان عبدا مأمورا من السماء، وهو أهل لها. والسماء تريد بناء فريق لا يقهر: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «63 - الأنفال».

لم يكن عجبا أن يهزم هذا الفريق المتكامل والمتنوع كل من حاول زعزعة استقرارهم. كان السادة والموالي يقاتلون في صفوف المسلمين بتساوٍ وبروح واحدة. كانوا أصحاب قضية ووجود. وكانوا على عكس عبيد الكفار الذين لم تكن لهم أي قضية أو حافز سوى الدفاع عن أسيادهم وهم أذلاء. ولم يكن حافز وحشي في أحد إلا التحرر من العبودية. صمد هذا الفريق الذي ضم السيد والمولى، المكي والمدني، أمام أعتى الضربات وأخطر المؤامرات. لدرجة أن هذا الفريق المتنوع هزم أقوى حضارتين في ذلك الزمن. هزم الروم والفرس. تنوع فريق المسلمين جعلهم جيشا لا يقهر. وفي بعض الأحيان، كان الموالي يحملون الراية أو الإمارة على الجيش، حتى وإن كانوا شبابا يافعين. الأهم، أنهم كانوا مؤهلين ويحملون تلك النفس القيادية التي ترفع مستوى الفريق.

بالطبع، هذا الفريق العظيم لم يأتِ بلا ثمن. قدم المسلمون تضحيات كثيرة جدا؛ وتنازلات، حتى تنازل بعض الأنصار بأزواجهم للمهاجرين. وكان الرسول ﷺ يستشير الجميع ويشركهم في الأمر ولم يستفرد يوما برأي أو يفرض ما يراه على أحد. بل أن الله أمره بأن يستغفر للذين تخلوا عنه في معركة أحد ويشركهم في الأمر. وهذه طريقة نفسية عجيبة لتحفيز أعضاء الفريق. من يحس أنه جزء فعال في فريق عظيم، سيعطي أكبر ما يملك من جهد.

بعدما انتقل الرسول ﷺ إلى الرفيق الأعلى، توجهت الأنظار إلى بني هاشم، وإلى علي بالذات. ولكن المسلمين انقسموا فيما بينهم ورجحت الكفة الأخرى على كفة بني هاشم. حينها، استغل أبو سفيان الفرصة ليملأ المدينة خيلا ورجالا ليناصر علي بن أبي طالب على الآخرين. ولكن كيف كان رد فعل الإمام علي؟

الإمام علي لم يجرؤ على مسح كلمتي ”رسول الله“ في صلح الحديبية. فإن كان غير قادر أن يمسح تلك الكلمات التي أمر الرسول ﷺ بمسحها، فكيف يكون قادرا على تحطيم فريقا بناه رسول الله ﷺ، ويخسر حينها الجميع؟ ولأجل هذا الفريق ولأجل مصلحة الأمة، آثر الإمام علي السلم والبعد كل البعد عن إضعاف هذا الفريق أو شق عصا المسلمين. ولو فعل، لقامت حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. ولكن حكمته وصبره أتت أكلها حينما هزم المسلمون الروم والفرس وامتدت رقعتهم من المحيط إلى المحيط، حتى وصلوا قمة الهرم بعد أن كان كل فريق يلعب لمصلحة فئوية، تتقاتل فيها القبائل لعشرات السنين. بركة الرسول ﷺ وحكمته وحسن تصرفه قلبت كل الموازين.

وعلى نفس المنوال، كان فريق بني إسرائيل خاسرا في كثير من المواطن بسبب تقوقعهم على أنفسهم ورفضهم إضافة أي عنصر من خارج هذا الفريق واكتفوا بما عندهم. بل وصلت بهم المواصيل أن يرجحوا أقوال السامري على نصائح نبيين. وهذا ما جعل بنو إسرائيل فئة قليلة مستضعفة على مرّ العصور، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. ليس من السهولة أن تعيش تحت العذاب والاضطهاد لأكثر من ألفي سنة. لم ينجح اليهود إلا مؤخرا حينما لعب في فريقهم كل يهودي بغض النظر عن توجهاته الفكرية أو العقدية. وحينما امتلكوا العلم والاقتصاد، أجبروا الآخرين أن يلعبوا في صفوفهم، بل جعلوا الآخرين يحاربون نيابة عنهم في ميادين الحروب وفي المؤتمرات الأممية.

وللحديث بقية...

سيهات - دكتوراه في علوم الحوسبة و باحث وكاتب مستقل