مولد النور والحلم المنتظر
منذ فجر عام 255 من الهجرة النبوية، دخل العالم في مرحلة ترقب المحبين، وانتظار الوالهين، واستمر هذا الترقب حتى يومنا هذا، حلم به يكبر وأمل يتجدد، ما إن يكتمل القمر بدرا إلا وقد أرسل شيئاً من شعاعه على تلك القلوب المحبة والأرواح الواله، تنير لها بصيصا من أمل يرتجى في أن يتحقق.
في مدينة ما...
في كل عام يحتفل أهلها بمولد النور، الإمام الحجة بن الحسن ، متعطشة للحظة الصلاة بإمامته، والتجمع بمعيته في ساحة من ساحاته الشريفة، قلوب تخفق بالحب منتظرة رؤية المحبوب من نسل المحبين، وأرواح تجهزت لأن تسعد بقضاء حوائجها، فذاك أبُ يدعو الله أن يوفق أبناءه، وتلك أم خائفة على صغارها تكفكف بالدمع أيامها، ترتجي الهدوء والسكينة والرضا، وهناك من يمنّي النفس بأن يأتي من يحمل بين يديه حلمه ويزج به عبر أبواب الفرج، لعله السبب المتصل بين الأرض والسماء.
وفي مدينة أخرى..
تحت وطأة النار المشتعلة بين الدور، وتردد أصوات الرصاص المتطاير في الأفق القريب من الرؤوس، طفل فقد والديه، فتاه في الشوارع باكيا، وأخ يحمل بقايا جثة أخيه الصغير فزعا، وعصابة مسن قد شخبت بالدماء.
نساء ترملت بين عشية وضحاها، وأمهات ثكلت فلذة أكبادها، ومشاهد تدمي القلوب حسرة وألما، امتزجت بأصوات وصرخات تستغيث ”بالمنتظر“ الذي وعدت السماء به أهل الأرض أن يظهر، ليطهر الأرض بالعدل والصلاح، بعد أن ملئت بالظلم والجور والفساد.
وكلهم منتظرون للطلعة الرشيدة والغرة الحميدة، والعيش في الدولة الكريمة المرتقبة، يجسدون قول الإمام موسى بن جعفر ، حين دخل عليه يونس بن عبد الرحمن وقال: دخلت على موسى بن جعفر فقلت له: يا بن رسول الله أنت القائم بالحق؟
فقال: أنا القائم بالحق، ولكن القائم الذي يطهِّر الأرض من أعداء الله ويملؤها عدلًا كما مُلئت جورًا هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفًا على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون ثم قال: "طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا، والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة، ورضينا بهم شيعة، وطوبى لهم، هم والله معنا في درجتنا يوم القيامة.