آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 7:35 م

هل أمسى الخطاب الديني شرعة لكل وارد؟

السيد أمير كاظم العلي

أمسى الخطاب الدينيّ شرعة لكلّ وارد؛ لا تقف أمام اقتحامه موانع محكمة، ولا ضوابط نافذة..

يكفي من يريد ممارسته أن يجرّب، دون إتعاب نفسه بالدرس، أو حتّى الاطّلاع الثقافيّ اليسير، وإذا تجرّأ وجرّب فسيجد له جمهورًا لا بأس به، بل قد يتجاوز جماهير العلماء المختصّين الجادّين. وفي حالات ملفتة - تدلّ على بلادة الحسّ التقييميّ في بعض المجتمعات - ربّما يكون المنبر الواحد بالمستمعين أنفسهم يصعده في مناسبة خطيب فاضل، ذو مكانة علميّة وتجربة خطابيّة ثريّة، ويرتاده في مناسبة تالية من لم يدرس يومًا في الحوزة، ولم يقرأ كتابًا في الفكر، مستعينًا بجمال صوته، وحسن طلّته!

ولست أتحدث هنا عن انفلات الضوابط بين المتصدّين للخطاب الديني من المنتمين إلى الحوزات العلميّة، فذلك أوضح مفارقةً، وأشدّ مدعاةً للأسف؛ لأنّه مصحوب بفكرة مترسّخة في وجدان المتديّنين، تؤدّي إلى إضفاء الشرعيّة - بدرجات متفاوتة - على الكلام الصادر من كلّ من انتمى إلى السلك الحوزويّ، بغضّ النظر عن صحّة مضمونه، وقوّة مصدره.

كما لا يسعني أن أسهب في الأسباب التحليليّة المحتملة لهذه الظاهرة، والتي قد يكون منها ضعف أداء الخطاب الدينيّ نفسه، وعدم الاعتناء الجادّ بتنمية مهارات البحث والإلقاء والتواصل عند طلّاب الحوزة، وانشغال القائمين على مراسم الإحياء الدينيّ بتحصيل الثواب، وغلبة مفهوم البركة على قيمة الإتقان في فعاليّاتهم أحيانًا، إنمّا أريد أن يكون هذا المقال خطوة في مسار قراءة وتوصيف وتحليل هذه الظاهرة، والوقوف على أسبابها، سعيًا إلى الخروج من سلبيّاتها، بالقدر الممكن.

وإنّه ليجدر برموز الحوزات، وأصحاب الكلمة والقرار الدينيّين - في ظلّ الوضع المتدهور هذا - أن يفكّروا في سبل استعادة الإمساك بمقود مسيرة التبليغ الديني، إن كانوا يريدون لها الوصول بسلامة، إلى أهدافها ومقاصدها المفترضة.