الشاعر بوصفه أنموذجا إنسانيا
قراءة في ديوان الشاعر السيد هاشم الشخص «بلابل وأبابيل»
من عتبة العنوان نستطيع الولوج إلى مضامين الديوان وسبر فضاءاته عبر هذه الثنائية الضدية، فنحن أمام حالتين: الأولى «بلابل» التي تمثل معاني السعادة والاسترخاء والثانية «أبابيل» التي تحيلنا إلى قصة أصحاب الفيل القرآنية بما تمثله من معاني الاستنفار والمجابهة.
بهاتين الثيمتين تتشكل رؤية الشاعر في قصائده المتنوعة في شخصية الرسول الأعظم وأهل بيته - صلوات الله وسلامه عليهم - بلغته الشعرية التي اكتسبها من بيئته النجفية الأولى حتى نمت معه في حياته لتصبح أسلوب حياة.
تحضر «الأنا» الشعرية عند السيد الشخص بشكل مباشر وصريح، لتكون أنموذجا إنسانيا محتشدا بالقيم.
إن هذه «البلابل» التي أطلقها و«الأبابيل» التي أرسلها هما «المرغوب فيه» و«غير المرغوب فيه» في علم النفس، وهما «الولاء» و«البراء». حسب مفاهيم الفكر الإسلامي.
يتخلى الشاعر عن «الأعراض» ليصل إلى «الجوهر»، ليبلغ مكامن مراده.. كمن يقطع دربه وعيناه على الهدف دون أن يلتفت لكل ما يؤخر سيره من مغريات أو عوائق:
ليس في نجلاء شعري
لا ولا المعشوق دعدُ
أو إلى هند وأخرى
بل إلى الزهراء أعدو
إنها أم أبيها
ذكرها شكر وحمد
فهي للتاريخ بدء
وهي للأيام بعد
وبنفس الأسلوب يوجه عاطفته الدينية مرة أخرى نحو الأمل الجديد المتجلي في شخصية السيدة الزهراء مبتعدا عن فكرة الحب الطللي وكأنه لا يريد شيئا مسبقا بمحسوساته يعيقه عن رحلته.. إنه يتجاوز الجسد ليصل إلى الروح:
ما هزني شوق لبرقة ثهمد
كلا ولا جفن يموج بأثمد
أبدا ولا نقش على تلك اليد
بل بضعة تنمى لأكرم سيد
تلكم هي الزهراء بنت محمد
حازت عظيم المجد فوق المحتد
بهذا الانزياح المعنوي يحقق الشاعر كينونته التي يرتضيها أن تنحو جهة المثل العليا.
نستطيع أن نصف شعر الشاعر الشخص بكونه هادئا هادفا، لكنه لا يستطيع أن يخفي انفعالاته، ولأن الكتابة عنده هي رسالة بالدرجة الأولى فنراه يوجه نقده بنبرة مرتفعة خاصة فيما يتعلق بالدين والأمة، وهاهو يشخص داء الجهل الذي يستشري في جسد المجتمع، كما عبر عنه في قصيدة «ورد الشمائل»:
فهل أوهن الأديان إلا معاشر
أضاعوا سبيل الرشد في غير طائل
أقاموا طقوسا وصّفوها شعائرا
وخاضوا مع الشحناء صنع المجادل
فهم أوغلوا بالأمر دون تبصر
وخاضوا وباسم الشرع في كل باطل
كما ألصقوا بالدين كل خرافة
وحتى غدا الإسلام مرمى لنابل
إن هذا الديوان يمثل خزانة مليئة بقيم المحبة والوحدة والسلام والعدل والتضحية، حيث كل مفردة تأخذ مكانها الصحيح في أرجائه، ولأنه يتحدث عن الإنسان بانتصاراته وانكسارته وأحلامه وآلامه؛ فلهذا كان صاحبه أنموذجا إنسانيا.