آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

8 مارس يوم المرأة العالمي

زكي أبو السعود *

في الثامن من مارس سنة 1856 خرجت نساء مدينة نيويورك في مظاهرة للاحتجاج على ظروف العمل المجحفة، فكان رد الفعل من السلطات الامريكية ان واجهت المتظاهرات بحملة شرسة من القمع البوليسي العنيف راح ضحيتها عددمن المتظاهرات وزج في السجون بقادة المظاهرة والمئات من المشاركات. وفي الثامن من مارس سنة 1908 خرجت آلاف النساء في نفس المدينة «نيويورك» في مظاهرة جماهيرية للمطالبة بتقليل ساعات العمل وتحسين الأجور ومنحهن حق التصويت في الانتخابات، ولم يكن رد الفعل الرسمي أقل من سابقته رغم مضي نصف قرن على المظاهرة الأولى. إلا أن هذا اليوم لم يمضي دون رد فعل من جانب القوى المؤمنة بحق المرأة في العمل بأجر متساو مع الرجل، واعطائها حقوقها كفرد من افراد المجتمع دون تمييز، فكان أن أصدر الحزب الاشتراكي الأمريكي الذي كان من المنظمين لهذه المسيرة في سنة 1909 نداءً للمطالبة بيوم وطني للمرأة الامريكية. وفي سنة 1910 وبمبادرة من قوى اشتراكية ويسارية من 17 بلد انعقد في الدنمارك مؤتمر اممي للمرأة العاملة تبنى فيه توصية الاشتراكية الامريكية السيدة كلارا زيتكن بجعل الثامن من مارس يوماً عالمياً للمرأة. وفي السنة التالية لهذا المؤتمر احتفت بعض الدول الأوروبية بهذا اليوم، وهو ما شكل الأساس الذي بُني عليه في سنوات لاحقة القرار بجعل الثامن من مارس يوماً عالمياً للمرأة، حيث اقرته السلطات السوفياتية في روسيا بعد استيلاء البلاشفة على السلطة السياسية في سنة1917، وجعلته عطلة رسمية يحتفل بها كل عام. ولسنوات عدة كان الاحتفال بهذا اليوم مقتصراً على الدول الاشتراكية حتى سنة 1977 حينما تبنت هيئة الأمم المتحدة قراراً بالاعتراف بهذا اليوم كيوم عالمي للمرأة، ودعت أعضائها للاحتفال به وطنياً في كل عام.

خلال كل هذه السنين خاضت الحركات النسوية ومختلف منظمات المجتمع المدني والشخصيات المتنورة الداعية للمساواة بين الجنسين في كافة الحقوق الاقتصادية والسياسية مساع حثيثة من أجل إزالة كل الفواصل والقيود الرسمية المعيقة لتبوء المرأة مكانها المتساوي والمتكافئ في المجتمع مع الرجل، وتمكينها من أن تأخذ مواقعها في بناء غد مستدام من التقدم الاجتماعي، والسير بأوطانها على دروب النهضة والنمو دون اغفال بأن لكل بلد ظروفه الخاصة وأن سقف هذه المساعي والمطالب تتباين بين بلد وآخر. ففي بلدنا احتلت المساعي لمكافحة الأمية والمساواة بين الجنسين في الوصول إلى التعليم والتدريب، والارتقاء بالمستوى التعليمي والمهني والثقافي للمرأة السعودية، وإتاحة مجالات العمل المتنوعة لها واشراكها في مختلف الانشطة الاجتماعية والاقتصادية دون تمييز، مكانة خاصة في أنشطة وعطاءات المهتمين بتطور الوطن وتقدمه والارتقاء به نحو افاق رحبة في مسار التقدم والتطور الحضاري.

إن تجاوب حكومة خادم الحرمين الشريفين مع دعوات وبرامج منظمات هيئة الأمم المتحدة بتمكين المرة وتبنيها لهده النداءات والتوصيات، وتضمين كثير من هذه البرامج والأنشطة في قوانينها وخططها الوطنية وخاصة في البرنامج الوطني الكبير «رؤية2030» قد أسهم في إزالة كثير من المعوقات والرؤى العتيقة التي تراكمت عبر الحقب الماضية التي هيمن عليها الجهل والتخلف قبل قيام دولة الجزيرة العربية الحديثة «المملكة العربية السعودية» وفتح مجالات عدة امام المرأة السعودية لم تكن متاحة من قبل.

لقد استقبلت الأغلبية الساحقة من الشعب السعودي هذه القرارات الإصلاحية بترحيب كبير كونها استجابة لحاجات المجتمع الموضوعية وطموحات السعوديين في رؤية وطنهم يسير في تناسق وانسجام مع روح العصر الحديث. كما أن هذه القرارات والإجراءات الإصلاحية قد ساهمت في تعزيز مكانة المملكة الدولية كدولة متجاوبة ومتعاونة مع توصيات وقرارات مختلف منظمات هيئة الأمم المتحدة وخاصة ”المجلس التنفيذي لهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة“، التي تم الاستعانة بها في رسم وصياغة خططنا الوطنية القصيرة والطويلة المدى.

لازالت امام المرأة السعودية تحديات كثيرة بعضها متفرع من التحديات الكبرى التي يواجها الوطن للارتقاء به نحو مستويات أعلى في مسيرته النهضوية والحضارية، والدور الذي يمكنها أن تلعبه المرأة في هذه المسيرة، وتحديات أخرى منحدرة من واقعها الجنسائي والموروث الاجتماعي والثقافي الذي لا زال هناك من هو متمسك به كالاعتقاد بأن المرأة ناقصة عقل ودين، وان ممارسة مختلف اشكال العنف على المرأة لا يتعارض مع الشرائع السماوية، ولهذا فأن الاحتفال بالثامن من مارس بصورة رسمية وشعبية وتبني حملة وطنية مرسخة لهذا اليوم يجري فيها التركيز على الاضرار الاجتماعية لمثل هذه الاعتقادات سيكون له تأثيره الفعال في إزاحة مثل هذه المفاهيم البالية لدى هذه الفئات التي تعتقد بأن مواقفها منسجمة ومتصالحة مع الدين الحنيف يبينما اصلها نابع من عادات وتقاليد غير مقدسة يمكن تجاهلها والابتعاد عنها.

إن التمكين الكامل للمرأة لا يتحقق دون تمكينها اقتصادياً وتثبيت بأنها وشريكها الرجل سيان في مسؤولياتهم وواجباتهم تجاه تطور الوطن كما هما متساويان في حقوقهم الاقتصادية والقانونية.

تحية للمرأة في يومها العالمي الثامن من مارس وتحية خاصة للمرأة السعودية التي اثبتت بأنها لا تقل إمكانية وقدرة على الابداع والعطاء عن شريكها الرجل في خدمة وتطوير الوطن نحو التقدم والرقي المستدام.

بكالوريوس في القانون الدولي، ودبلوم علوم مصرفية. مصرفي سابق، تولى عدة مناصب تنفيذية، آخرها المدير العام الإقليمي…