آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

الدكتور أحمد الشبعان.. أحد مؤسسي الخطاب الثقافي الأكاديمي بالأحساء

علي عيسى الوباري *

حين يتحدث أو يكتب أحد عن شخص له منتج علمي ومعرفي لمجتمعه، يتساءل البعض هل يعرفه الكاتب حق المعرفة أو صاحبه في مسيرته، هذه إحدى أسباب عدم إعطاء العالم حقه بالمجتمع فكثير غادروا الحياة الدنيا بدون ذكر لعطاءاتهم، في الواقع ذكر إنتاجهم المعرفي والثناء على خدمتهم للمجتمع هو الحد الأدنى من تكريمهم، كل من اجتهد وأنتج وخدم المجتمع بعطاءات ملموسة هو شخصية عامة تهم المجتمع فيستحق الثناء في حياته وبعد موته، وكما نكتب عن علماء ومفكرين قبل مئات السنيين لا نعرفهم إلا بما أنتجوه وما قدموه للبشرية فمن الأولى الكتابة والتعريف عمن عاش بيننا، وقدم ما يفيد لمجتمعاتنا ووطننا سواء كانت أبحاث علمية تفيد المتخصصين أو محاضرات توعوية تنهض بمستوى المجتمع المعرفي، مثل المرحوم الدكتور أحمد معتوق الشبعان الأستاذ الجامعي والباحث في جامعة الملك فيصل بالأحساء رحمه الله الذي توفي 1443/6/19.

أتذكر حضرت للدكتور أحمد الشبعان محاضرة بمشاركة مع الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي بدايات الثمانينيات من القرن الماضي بمدينة البطالية تتعلق الإيمان بالله والعلم.

في كتابه ”نظام التفاهة“ يذكر المؤلف آلان دونو أسباب التفاهة الابتعاد عن الهدف العام لتحقيق التضامن والتكافل الجمعي وعدم الاهتمام بالثقافة الاجتماعية والإنسانية والحضارية للرقي بالإنسان، وأهم عناصر ضعف النهضة التنموية عدم ذكر الفاعلين بالمجتمع وتجاهل من لهم عطاء معرفي وفكري وعدم ترسيخ الرموز الثقافية والإنسانية في أذهان الناس الذين ساهموا في تطور المجتمعات.

المجتمع مسؤول بشكل كبير في صناعة نظام التفاهة بسبب عدم رعايته القدوات العلمية والمعرفية، ويبدو المجتمع كأنه لا ينتج إلا هؤلاء الذين يتفننوا في إضحاك الناس بشكل غير لائق وفيه من السخف الذي يهبط بمستوى المجتمع.

موت شخصية علمية وأكاديمية تخرجت تحت يدها أجيالا ولها مساهمات ثقافية وتنموية بالمجتمع والوطن مثل الدكتور أحمد الشبعان الذي يعتبر من أوائل من اهتم بالثقافة وربط العلم بالإيمان بالمنطقة ويشار له بالبنان في حقله العلمي التخصصي ويعتبر أول من أسس خطاب ثقافي أكاديمي يساهم في التوعية التنموية مع خطاب المنبر الحسيني الذي اعتاد عليه المجتمع بمفرادته وأسلوبه التقليدي، لم يسبقه إلا الخطاب الديني والفكري للشيخ عبد الهادي الفضلي.

أكاديمي ومثقف بهذا المستوى العلمي وتفاعله مع المجتمع بالنصح والإرشاد والتوجيه لا نجد له ذلك الاهتمام من المثقفين بالكتابة عنه، عدم الاهتمام بسير العلماء والكتاب وأصحاب الأيدي البيضاء يفقد المجتمع ثروات معرفية ويطمس الرموز الثقافية والفكرية ولا يشجع الشباب على الطموح والسير وراء تلك القدوات، وبعض هؤلاء المتميزون يتحملون المسؤولية لأنهم لم يوثقوا سيرهم الذاتية ولم يدونوا محطات النجاح ومذكراتهم كتابيا فضاع الكثير من تجارب الشخصيات المعطاءة.

يعتبر الدكتور الشبعان إحدى الشخصيات الثلاث في تأسيس جامعة الملك فيصل، واحد مؤسسي مركز الأبحاث بالجامعة، له من الأبحاث والدراسات المتخصصة في كيمياء التربة بل استفرد بأبحاث خاصة اقترنت باسمه البحثي الأكاديمي، شخصيته العلمية والتعليمية يشهد في حقها زملاؤه الأساتذة وطلبته وأبحاثه المنشورة في الدوريات المتخصصة المحكمة.

كثر هم أساتذة الجامعات الذين ينحصر عطاؤهم في تخصصاتهم ومهنهم الأكاديمية ولا يذكرون إلا في حرم الجامعة وبين الطلبة لكن قلة هم من الأكاديميين الذين يحملون هم المجتمع فيوظف علمه وثقافته في بناء وتوعية المجتمع وتكون له مساهمات في الرقي الثقافي بالمجتمع مثل الدكتور أحمد معتوق الشبعان الذي تتعرف على ثقافته من خلال أقواله في مقابلته مع الأخ العزيز سلمان الحجي.

عبارات المرحوم الدكتور الشبعان في المقابلة تدل على سعة أفقه وثقافته العامة مثل جوابه عن شخصية المجتهد الشيخ محمد الهاجري رحمه الله يقول ”إنه المجهول بين جماعته والمعروف عند المتقين والإعلام والقريب من الله وأوليائه والقريب من الله“ وهذا التعبير دقيق ويؤكد أن المجتمع يتجاهل من لهم عطاء ديني وعلمي فيصبح العالم غريب بعلمه.

وسؤاله عن المرأة بالمقابلة يقول ”المرأة بصفة عامة وليست الأحسائية فحسب بأنها هي التي تعين على تهميش نفسها إن كان هناك تهميش لها، فالإنسان هو المسؤول عن طبيعة الانطباع الذي يحمله الآخرون نحوه“، بالفعل إذا لم يعبر الإنسان عن نفسه ويقدم للمجتمع ما يفيده يساهم في تجاهله من قبل المجتمع ويختل التكامل الاجتماعي.

يقول الدكتور الشبعان رحمه الله عن خطباء المنبر الحسيني ينبغي تمتعهم بالحس العلمي والمنهج الاستدلالي فعصرنا عصر الحوارات والوعي ودعم النقاش بالمنطق والاستدلال العقلي وعلى الخطيب أن يكون مثقفا موسوعيا ملما بقضايا العالم ويهتم بأولويات التاريخ وما يحدث في الميدان حتى يكون واعيا بما يدور.

وقال رأيه في بعض المثقفين المنبهرين بما لدى الآخر من ثقافة تفقدهم هويتهم الدينية ويعتقدون أن كل ما عند الغير هو الأفضل وينتصرون لتلك الثقافات الأجنبية بالدفاع الأعمى وليس الاستفادة المقننة.

أيضا في مقابلته يدعو لردم الفجوة بين الأجيال وبين المثقف والفاعل الديني بالحوار والنقاش المبني على الاستدلال والمنطق والدعوة بالتي هي أحسن.

هكذا هو الدكتور الراحل أحمد الشبعان من الرعيل الأول من الأكاديميين وأساتذة الجامعة الذي يعتبر مرحلته الأستاذية بالجامعة مرحلة تأسيسية بالمجتمع في بروز الأكاديمي المثقف الذي يساهم مع الشيخ والخطيب في نهضة وتنمية المجتمع وبداية الخطاب الثقافي التخصصي.

‏مدرب بالكلية التقنية بالأحساء،
رئيس جمعية المنصورة للخدمات الاجتماعية والتنموية سابقا.