العدوانية وأثرها على الألفة المجتمعية
ربما يكون الحديث عن العدوانية بشكل عام أمرٌ مؤسف بطبيعة الحال على اعتبار أن هذا السلوك محل إجماع أنه فعلٌ رديء للغاية، بل الأكثر من ذلك أنه عمل يستوجب من جميع أعضاء المجتمع استهجانه والتبرؤ منه؛ لأنه سلوك مخجل وكل من يمارسونه يتصفون بأنهم غير أسوياء! فهم يشعرون بأنهم أشخاص منبوذون لا قيمة لهم بين بقية مكونات محيطهم الذين ينتمون له، بالإضافة عن كونه حدثا لا يوافقه عقل ولا منطق. ناهيك عن الموقف الشرعي تجاه هذا النوع من المنبوذات المقيتة. يقول تعالى: ﴿وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾. [سورة المائدة 62].
إن العدوانية لا تقتصر فقط على الاعتداء الجسدي على الآخرين، بل إن هذه الصفة لها عدة أوجه ومن خلالها يتحقق المعنى. وللتوضيح أكثر لو صدر من شخص كلام مزعج جارح قاسيٌ متعجرفٌ تجاه شخص آخر؛ فإن هذا التصرف بحد ذاته يُعد عدوانيًا، كذلك الغيبة والنميمة فعلان ينمان عن العدوانية والجفاء. إذا ليست العدوانية فقط من خلال الاعتداء الجسدي والضرب المبرح، إنما تتحقق تلك الصفة بأشكال متعددة ذكرنا بعضها آنفا. وكذلك كل فعل وكل تصرف يسبب إهانة الآخرين يعتبر بمثابة عدوانية تجاه هؤلاء الأشخاص.
ومن المؤسف جدا وخصوصا في أيامنا هذه أن نرى مظاهر العدوانية ماثلة أمام الجميع وفي جميع مناحي الحياة. والأمثلة على ذلك لا حصر لها ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: ما أن تتوقف سياراتنا أمام إشارات المرور ويتأخر شخص ما في الانطلاق بعد الإضاءة الخضراء؛ نسمع صوت المنبه للسيارات الخلفية قد يتعالى بصوت مرتفع وبلا توقف! وفي بعض الأحيان نسمع صوت الصراخ وأحيانا أُخر هناك شتم ولعن والعياذ بالله! وكأننا في عالم الغاب أو في سباق سنجني من خلاله الجوائز الكبرى. مما يتبين لنا ضيق صدورنا وعدم تحملنا لبعضنا البعض. وفي مشهد آخر نرى في الأماكن العامة والأسواق والمجمعات بعض المواقف ولا نقول هي ظاهرة «غالبة» بطبيعة الحال وهنا نؤكد دائما على عدم التعميم. فالتعميم حتما لا يصح كما نشاهد بعض المواقف من بعض الشباب والشابات يظهرون عدم الاحترام لكبار السن من خلال الحدة في الحوار كذلك عدم التحلي بالذوق العام والتعنت والعناد والإصرار على الانجراف نحو الخطأ والاستسلام التام لما يزينه لنا الشيطان من قبيح التصرفات ومنها: أخذ العزة بالإثم وهذا حتما بعيدٌ كل البعد عن القيم والأخلاق والتربية الإسلامية الصحيحة، ولا يؤدي بنا في نهاية المطاف إلا لمزيد من المشاحنات، ومزيد من التوترات. وبالتالي خلق مناخ عام يسوده النفور والمشادات والتعدي على حقوق الآخرين. والأمثلة على ذلك - لا حصر لها - ونأخذ على سبيل المثال «البوفيهات المتنقلة» التي انتشرت مؤخرا والتي يعمل بها كثير من الأخوات المحترمات طلبا للرزق والكسب المشروع والسعي لتوفير حياة كريمة لهن ولأسرهن، وهذا لا منكر فيه بلا أدنى شك. فطلب الرزق شرف وعبادة، ولكن نشاهد بعضًا من شبابنا - مع الأسف الشديد - الذين تصدر منهم بعض المضايقات والمعاكسات الغير محترمة، ولا تمت للآدمية والشهامة بصلة. متناسين أن هؤلاء اللواتي تعملن في هذا المجال هن أخواتنا وبناتنا وزوجاتنا، وهن مكون أساسي لمجتمعنا الذي واجبنا نحوه هو المحافظة عليه وعلى وحدته واستقراره، وكف البلاء عنه علما أن هذا التصرف بعيدٌ كل البعد عن الرجولة والنخوة بل عمل مخجل لا يناسب كل رجل حرٌ أبيّ يخاف الله - سبحانه وتعالى - في نفسه وأهله وذويه. فهؤلاء النسوة هن أعراضنا وشرفنا، والتطاول عليهن سواء في المحلات التجارية أو مضايقتهن في الطرقات أثناء قيادتهن لسياراتهن هذا أيضا حاصل لبعض الفئات وهذا لا شك من خزي النوايا ومشين الأعمال وسلوكٌ مستنكَرٌ لكل الأديان والأعراف، فالمطلب إذا هو العكس تماما! أي خَلق ظروف كلها إيجابية واتزان؛ لتشعرن تلك الأخوات بالطمأنينة وراحة البال وهذا لا يتحقق إلا من خلال احترامنا لأنفسنا والانضباط، وكبح جماح تلك التصرفات الغير مسؤولة، والشعور بالإنسانية والأمانة الأخلاقية والتربوية.
إن تركيز الإنسان على تلك «التوافه» من السلوك ما هو إلا عبارة عن طاقة سلبية تؤدي بدورها إلى ترسيخ مشاعر البغض والكراهية تجاه الآخرين، وتأخذ من يتصفون بتلك المكروهات نحو الهدم وعدم البناء الأخلاقي، والسلوك الراقي والتخريب والأذى النفسي بأشكاله المتعددة، وهذا النوع من الصفات نتائجه لا تتوافق مع منطق الحكمة والعقل الراجح أبدا، ونهايته واضحة وجلية وهي تعطيل وتأخر مسار النجاح والإبداع وعدم تحقيق التقدم لأفراد المجتمع للأمام.
إذا لا أَفضل ولا أجمل ولا أجود من أن تسود الوضع العام لأي مجتمع من المجتمعات الألفة والتراحم، وتعم روح التعاون والترابط والاتفاق على نبذ التعصب، وطرد العادات التي لا نجني من خلالها إلا البغض والمشاحنات والفرقة فيما بين أفراد المجتمع الواحد. ويجب كذلك أن نؤسس لقاعدة نسعى لأن تُنجب لنا من رحمها طقوسًا يملؤها الحب في الله، والرحمة والتواد لبعضنا البعض، ونظرة مغلفة بروح التفاؤل والعطاء والأمل؛ للوصول لأرقى مراتب الخُلق المحمدي القويم مستذكرين أن هذه هي رسالة نبي الرحمة محمد - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ «سورة القلم الآية 4». وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾. «سورة الحجرات الآية 10».
ولنا في تلك الآيات أُسوة حسنة والله ولي التوفيق.