أنا وهو والخلاف الذي بيننا
أنا وفكرة تنير لي طرقاتي، أنا وكتب تسرح بخيالي، أنا والألم والسعادة، أنا والحياة، أنا وهو وأي شيء يبعثر أفكاري.
هو يحب الهدوء، وأنا أحب أن أتكلم دائما بصوت عال، هو لا يحب أكل السمك وأنا أحبه، هو يفضل شرب القهوة في المقاهي وأنا عكسه.
اختلافنا لم يجعل الخلافات تجد طريقا لها بيننا، وتباين أذواقنا وما نحبه ونكرهه خلق توازنا في أيامنا، لم نمل يوما من البقاء في المنزل ولا نفعل شيئاً؛ لعلمنا بأننا سنقلب قنوات التلفزيون بين محطات الأخبار والبرامج الوثائقية، وبين المسلسلات والبرامج الاجتماعية، ونرضي شغفنا واهتمامنا.
لو تقبل كل شخص جوانب الاختلاف في الشخص الآخر، لكانت العلاقات كلها مبنية على الحب والود والوئام، وهذا خلاف ما نراه في مجتمعاتنا، قس على ذلك حديث المجالس، ولا فرق بين النسائية منها أو الرجالية، فما إن يبدأ الحديث عن قضية ما، وتتنوع الآراء حولها، إلا ويدب بعض الخلاف حول الآراء المتباينة، وإن لم يكن الخلاف ظاهريا فسوف يكون مكنونا في القلوب، مما يحملها في كل مرة ثقلا يتراكم مع مرور الأيام والسنين، وربما يخلق فجوة تآلف وانسجام، ويوسع دائرة النفور والابتعاد.
يقول الفيلسوف المفكر ”رينيه ديكارت“: «إن اختلاف آرائنا، لا ينشأ عن كون بعضنا أعقل من بعض، بل ينشأ عن كوننا نوجه أفكارنا في طرق مختلفة، ولا نطالع الأشياء ذاتها».
ويقول الكاتب ”عبد الله الغذامي“: «فإننا نلحظ أن اختلاف الرأي لا يفسد الود فحسب، بل إنه يكفر ويقتل ويفرق، والتاريخ في قديمة وحديثة يشهد بذلك، وكما هي الكلمة القديمة: إن الحرب أولها الكلام».
نحن يجب ألا نقلل من أهمية الأمر، ونقول هو مجرد خلاف في رأي، وفرقة في مجلس، الأمر قد يمتد إلى أكثر من شخص عادي أو مجلس اجتماعي، قد يتعدى الأمر إلى سياسيين ورؤساء دول، وهنا يكمن الخطر، فما يتفوهون به يعد قرارات إن كانت تلك القرارات إيجابية أو سلبية، فإنها ستؤثر حتما على كل مجالس الناس، وضحيتها الأولى هم الشعوب العادية.
ما الحروب إلا نتيجة اختلاف في الآراء، وها هي الحرب الروسية والأوكرانية أحدث حرب تنشأ في أيامنا هذه، سببها هو عدم التوافق، بل عدم إرخاء حدة الحديث وتنازل أحد الأطراف للآخر.
فهل لكم أن تتخيلوا أن هذه الحرب اليوم سببها توترات يعود تاريخها إلى العصور الوسطى، واستمرت بين شد ومد وتحركات ومناوشات وخصومات، منذ ذلك الوقت إلى وقتنا الحالي، حيث وقت اندلعت فيه الحرب بينهما صباح يوم الخميس 24 من فبراير 2022م.
تعلمنا قصة الحجر الأسود كيف نردم هوة الخلافات، ونتفق على أفضل الحلول دائما، فعندما اختلف رجال القوم في قريش بعد الانتهاء من بناء الكعبة المشرفة، وجاء دور وضع الحجر الأسود في مكان ما على أحد جدرانها، اختلفت القبائل فيمن سيكون له الشرف في وضعه من قبلها، لذا أراد الرسول الكريم محمد ﷺ، أن يعلم الناس قيمة احترام الآخر وقراراته، فاقترح عليهم برفع الحجر على قطعة قماش وأن يمسك كل زعيم من زعمائهم بطرف منها، حتى وصلوا مكان الحجر ووضعوه كلهم.
إذن أنا وهو، وأنت وهي، وهم، كلنا نعيش في كوكب واحد، لا نعرف غيره، حقيقة هو كوكب شاسع، بل أكبر بكثير من حدوده الجغرافية ومساحاتها الأنثروبولوجية، وما بين سطوره الاجتماعية، إلا أن إرادة الإنسان وعزيمة، تستطيع أن تجعل منه كوكبا مزدهرا سعيدا مليئا بالمحبة والود المتبادل أو يسوده النزاع والخراب والفرقة.