لو كانت الضحيَّة عربيَّة!
مُنذُ إطلاق فلم ”مُحتال تِندر The Tinder Swindler“ والحديث يتصاعد في كُل مكان عن ”سايمون ليفايف Simon Leviev“ الذي احتال على ثلاث نساء عاطفيًا ليحصل منهن على مبالغ كبيرة من المال. ثمة علامات استفهامٍ كبيرة وشكوكٌ مُريبة مازالت تحوم حول تلك الشخصية التي خرجت من السجن بعد خمسة أشهُر فقط من أصل خمسة عشر شهرًا حُكِم عليها بها، ومازالت تتسكع مُتمتعة بالحريَّة والتظاهر بالثراء الفاحش رُغم كل الجرائم المُرتَكَبة، بينما أشخاصٌ كثيرون يتعفنون في السجن سنوات طويلة بسبب جريمة واحدة من جرائم ”مُحتال تِندر“!.
لم أستطِع مقاومة انبهاري بالمجهود الذي بذلته الصحيفة السويدية لمُتابعة تلك القصة ونشر تفاصيلها «إن كان هذا حقيقيًا وليسَ وراء الأكِمّةِ ما وراءها!»، ألم ينقرِض هذا النوع من الصُّحُف الباحثة عن الحق والحقيقة في سبيل مُساعدة ومُساندة مواطنين عاديين ”على باب الله“ أم أنها انقرضت في عالمنا العربي وَحَسْب؟.
دعونا نتخيَّل ما كان سيحدث لو أن فتاة في بلد من البلدان الناطقة باللغة العربية تورَّطت بورطةٍ مُماثلة وتقدمت بشكاوى للجهات التي تُعتبر مُختصَّة فكانت النتيجة أُذنًا صمَّاء باعتبار أن ”القانون لا يحمي المُغفلين“، فاختارت البنت اللجوء لـ ”السُّلطة الرابعة“ المُتمثلة ب ”الإعلام“ على أمل أن يُساعدوها بنشر قصتها لعل ذلك يحمي المزيد من الضحايا المستقبليين من الوقوع في الفخ، كيف ستكون النتيجة؟ الجواب: سيتم مسح رسالتها فورًا، لن يتم الرد عليها باعتبار أن هذا الكلام مُجرد ”حكي نسوان“، وأنها هي التي ورَّطت نفسها بنفسها حين سَمحت لنفسها بالتعرف إليه والخروج معه، وأنها ”فاسدة“ و”قليلة أدب“ و”مش متربية“ لذا تستحق ما حدث لها وأكثر، ويجدر بها أن تغرق في مشاعر الخِزي والعار إلى يوم الدين وتحمد ربها أن أمرها لم يُفتضح، لا أن تتحلى بالشجاعة الكافية لنشره وتعتبر نفسها ضحيَّة وصاحبة حق! بينما الصحيفة هناك اعتبرتها ”صاحبة حق“ ولديها قصة كبيرة تستحق مُتابعتها مادامت تملك ما يكفي من الأدلة والوثائق، بحثوا عن آخرين قد يعرفون شيئًا عن هذا الشخص أو يستطيعون المُساعدة، وسافروا من بلدٍ إلى آخر ثم إلى ثالث في سبيل تقصِّي الحقائق، وهو ما يكاد يستحيل أن تفعله صحيفة عربية لأن الأمر - من وُجهة نظرهم ”لا يستحق“ أولاً، و”لا توجد ميزانيَّة“ لدفع تكاليف السفر ثانيًا!.
لو حدث الأمر في عالمنا العربي ستُضطر الفتاة للغرق في صدمتها خوفًا من العار والفضيحة، وإن كان جريئةً شُجاعة إلى حد التوحُّش لن يكون أمامها إلا ”السوشيال ميديا“، حيث تنشر قصتها بانتظار ضربةِ حظِ من القَدر، إذا كانت محظوظة بما فيه الكفاية ليتناقلها الناس وتنتشر انتشار النار في الهشيم عندها تسمع بها وسائل الإعلام بعد أن شبع الناس من تداولها، وقد تلتقطها شجاعة الإعلامية ”مروة الشربيني“ فتتحدث عنها عبر برنامجها، أو يكتشفها برنامج ”تريندنغ“ على قناة بي. بي. سي العربية ويرصدون تفاعلات المُتلقّين وتعليقاتهم بشأنها، ولن يتم تصوير فلم عن تلك القصة لأن البنت سيتم تدميرها والقضاء على مستقبلها وحبسها في البيت وإجبارها على إقفال كل حساباتها على مواقع التواصُل، وإن كانت في بيت أهلها ستتم مُصادرة هاتفها المحمول وحاسبها الآلي، إلى أن يجدوها مُنتحرة فيرقصون طربًا بالقدَر الذي حررهم و”غسَل عارهم“ دون مجهود!.