آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 1:42 ص

حلم لم يكتمل.. اكتمل بوجود الأحبة

نسرين مجيد الشاخوري *

للحب أوجه عدة، وألوانه شتى، صوره تجلت مساء البارحة في رحاب صالة السيد علوي الخباز للفنون، واندمج فرحا في ليلة حب بمناسبة مولد أمير المؤمنين.

تناثر الحب بالحب كقوس مطر وتلون في حفل بهيج، سرى من رائه ممن حضر وشارك، لامس الإخلاص والإيثار والقلوب الصافية، على وقع إسدال الستار لمعرض الفنان الراحل محمد الحمران «حلم لم يكتمل»..

إحدى عشر ليلة قمرية ضج المعرض فيها بالزوار من الفنانين والأهل والأصدقاء والإعلاميين ومن المتذوقين الذي شغفهم الفن حباً قدوما ونقاشا وأسارير مستبشرة، أيام وليال تبارى فيها الشعراء وتفانى الأصدقاء، ذاك يرسم لوحة يسكبها حباً لعمه الراحل، إنها فرشاة «أحمد الحمران» وتلك رسمت لوحةً تفانت بحنان على فرشاة دقيقة وتجلت ألوانا عبقا ونظارة عبر أنامل الفنانة منى السيهاتي.

وها هم الشعراء حبيب المعاتيق وعلي الشيخ وشفيق العبادي شنفوا الآذان با أبياتهم العذبة وكلماتهم الوجدانية، تعانقت قصائدهم في حدائق الوفاء كمعزوفات بلابل وتغريد طيور، أطربوا القلوب شجنا حلماً وحنيناً وأنسا.

وفيلم داعب الحواس بعنوان ”ذخيرة الأصدقاء“ من اشتغال الأخوين أبناء الجيراني سعيد وحسن، ضج بالحنين وصور الذكريات من خلال أقوال أربع شهادات من الأصدقاء المقربين، ولقطات آسرة ابتدأت صعودا حيث الأيام الخوالي مرور بالمسرات ثم الأوجاع، ولحظات المرض والرحيل، فيلم أبكى الحاضرين حيث المؤثرات لعبت دورا في هز المشاعر.

آه وماذا أقول!!

على رأس الاحتفاء إطلالة بهية أثناء ليال المعرض، شموعُ مضيئة هم ما بقي من روح المرحوم زوجته وأبناءه، أم قاسم هذه الشمعة الصبورة الحالمة الرائعة العظيمة.. لكِ مني ألف تحية وإجلال.

أجواء عظيمة، تكاتف.. احتواء.. روح الأخوة، الصداقة، هو ما لمسته بهذا المكان، تفاني المتطوعين ومجهود القائمين اللا محدود، عندها تيقنت بأن الأصدقاء هم ذخيرة العمر، وأصدقاء المرحوم كانوا نجوما من خلف الكواليس وأمام الكواليس، الفنان زمان جاسم نعم الأخ ونعم الصديق الصدوق، قدم كامل الدعم للمعرض ولعائلة المرحوم ولم يبخل بشيء واعتبرهم بمثابة عائلته الثانية، وكذا بقية الأصدقاء،

كل اعتبر المعرض معرضه، تآلف الجمع على قلب واحد، وتفانوا بالتجهيز والترتيب والتنسيق، وبالخدمة والضيافة.. ومحاولة تسويق أكبر قدر من الأعمال والكتيبات وحسن الاستقبال الباهر.

كم أسعدني بأني كنت إحدى المتطوعات، وكم أثلج صدري ما أحسسته وأنا بين عائلة المرحوم طوال أيام المعرض أجواء حميمية ولحظات دافئة مملوءة بالطمأنينة وعين الرضا.

وكم استفزتني بعض الهمسات التي أشيعت جزافا وقيلت في غير محلها «إنه عالم غريب يكرمون الفنان حينما يرحل»!!

هذه الكلمات صدرت من أناس لم يعرفوا عن قرب من هو الفنان محمد الحمران ولم يخبروا جماعة الفن التشكيلي ماذا قدمت وماذا أعطت، ولأني أعرف أن هذا الاحتفاء نابع من قلب أصدقاء أوفياء، وإخوان بكل ما تحمله الكلمة من معنى، احتفاء ليس لرد جميل الفنان الراحل بل إجلالا له ولعائلته، فقد كرم الفنان وهو على قيد الحياة سابقاً..

ونحن في جماعة الفن التشكيلي بالقطيف نكرم ونحترم كل الفنانين في حياتهم وحتى بعد الرحيل ولن ننساهم أبدا.

الليلة الأخيرة بدت مؤنسة بحضور رئيس نادي الفنون الأستاذ كفاح الخنيزي والأب الروحي الذي قدم كل الدعم والمساندة والمساهمة السيد علوي الخباز، حفل ابتدأ بتقديم كلمات عرفان من الأستاذ عبد العظيم شلي الذي أمتعنا دوماً بكتاباته ولا زال وهو أحد المساهمين والمساندين مع وجود ثلة من المنظمين للمعرض الفنانة فاطمة النمر وزمان جاسم وسيما عبد الحي وسعاد اوخيك ومحمد العلوي، ومؤيد الحمران ود. كميل المصلي ووالده، ونخبة من الفنانين والأصدقاء الذين لا حصر لتعداد أسمائهم، فهم قدوة يحتذى بهم وذخيرة معطاءة.

اعتلى حفل الختام صوت الابن قاسم وهو يتلو كلمات والدته التي عبرت فيها بالشكر والثناء ممتزجة بمشاعر جميلة لمستها واستشعرتها من الفنانين والفنانات أثناء وجودها طيلة أيام المعرض، حيث قالت:

"أيها الغائب الحاضر بيننا إلى فقيدنا الفنان محمد الحمران رحمه الله الذي رحل وترك لنا كنوزا عظيمة وحلم أبصر النور لعشر ليال، أبواب انفتحت لتشعل شموع الفرح ولتكمل الحلم على صالة علوي الخباز للفنون، جمعتنا مع أبطال الفن احتونا بما للكلمة من معنى، كانوا سلوتنا، وجدنا فيهم أواصر المحبة والإخلاص والتفاني، كانوا قريبين من القلب، يتسابقون لفعل الخير، سُمحاء الوجوه، كُرماء في العطاء، أسخياء بلا حدود، ابهرونا بجهودهم، بتنسيقهم، أخبار من هنا وهناك، لقاءات أمدتنا بالقوة والعزيمة والفخر بإنجازهم العظيم، كلمة شكر لا تفيهم حقهم، فنعم الأصدقاء الأوفياء، هم ذخيرة الماضي والحاضر، أحسن الراحل بقتنائهم، ليكمل حلمه الذي لم يكتمل إلا بسواعد وتكاتف ثلة من جماعة الفن التشكيلي بالقطيف، هم أعطوا للعالم طابعا جميلا ومتفردا اختصوا به عن غيرهم، تحية صادقة نابعة من القلب لكل من ساهم، وقدم وأعطى الشيء الثمين من وقته وجهده، شاكرين وممتنين لكم جميعاً هذا الدعم الغني عن التعريف، جهود لن ننساها فأنتم حقاً ذخيرة الأصدقاء المخلصين.

أختكم المحبة لكم جميعاً.

أم قاسم وأسرة المرحوم أبو قاسم رحمه الله.

وها هي سعدية الحمود قد أنهت لوحتها بالأبيض والأسود وقدمتها هدية إلى العائلة، وقد كرم جميع من ساهم وساند وتطوع لإنجاح ”حلم لم يكتمل“.

مساء معطر بالحب تراشقت الورود هنا وهناك وقدمت لكل الحضور، واستحق المتفانون شهادات ملفوفة بوردة وصور للذكرى، وتم تقطيع قالب الكعك على يد أم قاسم تحفها الفنانات، وميض الفلاش والكاميرات قد اشتعلت هنا وهناك، كانت اللحظات الأخيرة أشبه بلحظات الوداع قبيل السفر، كل ٌ يهم بتوديع أم قاسم وعائلتها النقية، وها هو معرض الراحل محمد الحمران حلم لم يكتمل،. قد اكتمل بليلته الأخيرة بوجود أصدقائه وأحبائه المخلصين.

فنانة تشكيلية