متى تكون العلاقة محرقة أو مرهقة؟
أكثر الناس يشتكون من فقدان الأصدقاء والأحباب بعد زمن طويل من الصداقة والمحبة، ولو بحثنا عن الأسباب لوجدنا أن هناك سببين رئيسين في خسارة الصداقة، وهما «عدم احترام المسافة» و«عدم معرفتنا للتعامل مع المشاعر العاطفية»، فأحيانا يدخل الإنسان بعلاقة تكون عليه حسرة وندامة وأحيانا تكون العلاقة مصدر سعادة وفرح، كل ذلك يعتمد على حدود المسافة والمفاهيم العاطفية.
دخل على شخص يشتكي من علاقة سامة مع أحد أصدقائه فقلت له إنك تجاوزت حدود المسافة في علاقتك معه والحل أن تبتعد عنه فترة ثم تعود لتحدد المسافة الصحيحة معه، فلما فعل ما ذكرت له قال الآن أنا سعيد بعلاقتي مع صاحبي، وامرأة دخلت علي تشتكي من أحدى صديقاتها التي تحرص على وجود خصوصية وحدود في العلاقة معها، فقلت لها: إن صديقتك هذه ذكية فهي تطبق عليك قاعدة «من يحبك يسمح لك بالبعد عنه ولكنه قريب منك»، فتعلمي منها فن المسافة.
وكلما كنا نملك فن المسافة في العلاقة كلما حافظنا على حبنا واستمرار علاقتنا وصداقتنا مع الآخرين، فأحيانا يكون الإندفاع قويا من أحد الأصدقاء بسبب قوة عاطفته أو حبه للعطاء والتضحية أو أن يكون محروما من الحب في طفولته فيجد التعويض في العلاقة والصداقة فيكون مندفعا جدا فتكثر اللدغات وتزداد المشاكل حتى تتحول الصداقة إلى كراهية وعذاب، وفي مثل هذه الحالات التي تكثر فيها اللدغات يتم تحديد المسافة الصحيحة بين الطرفين للمحافظة على علاقتهما.
وقاعدة الحب في العلاقات «أن لا تقترب كثيرا فتحترق ولا تبتعد كثيرا فتنسى»، وهذا معيار مهم للحفاظ علي الصداقة والمحبة، وعند اللقاء نركز على الضحك والجلسات السعيدة لأنها تقرب المسافة بدلا من أن يكون اللقاء فيه لوم واتهام وشكوى وحب للسيطرة أو التملك وهذه اللدغات تكون سببا في البعد والكراهية بين الصديقين.
فأهم شيء هو وضع الحدود حتى ولو بين الزوجين أو الأقرباء، فكل واحد منا يحتاج لمنطقة الراحة في العلاقة، حتى لا تكون العلاقة محرقة أو مرهقة، والإنسان الناضج الذي يضع لنفسه خصوصية ويحترم خصوصية الآخرين، والقاعدة بهذا أن تحب لغيرك ما تحبه لنفسك.
وكلنا لاحظنا كيف أن في الحجر الذي حصل في زمن كورونا فضح كثير من العلاقات الزوجية بسبب أنهما لم يتحملا بعضهما البعض تحت سقف واحد، والمشكلة ليست في حجر كورونا وإنما المشكلة في ضعف أساس العلاقة، وكل يوم أعيش في الإستشارات أعيش فشل بالعلاقة الزوجية بسبب دخول كل طرف إلى منطقة راحة الطرف الآخر والتفتيش في أغراضه الشخصية ظنا منه أنه يمتلك الآخر، وعندما تصل العلاقة لهذا المستوى تبدأ بالإنهيار، فالحدود في كل علاقة مهمة لسلامة واستمرار العلاقة.
والحدود تعنى المعايير التي نضعها في علاقاتنا والتي تسمح للآخرين بمعرفة السلوك الذي يكون مقبولًا أو مرفوضا عندنا، كما أن الحدود تعلم الناس كيفية التعامل معنا باحترام، والحدود تحدد منطقة الراحة عندنا وأننا مسؤولون عن مشاعرنا وسلوكنا وليس مشاعر الآخرين وسلوكهم، فالحدود جزءا مهما من هوية الشخص وهو جانب مهم من الصحة العقلية ومهما بلغت العلاقة بين طرفين من الحب، إلا أنه لابد من وجود حدود معينة يقف عندها كل منهما، حفاظًا على هذه العلاقة من التراخي والانهيار..
فيمكنك وضع حدود في متى يتم لمسك أو دخول منزلك أو الإطلاع على أغراضك الشخصية أو أوقات راحتك، فكل انسان يحتاج لخصوصية يضعها لنفسه ليكون مرتاحا ومستقرا، فلنتعلم «فن المسافة» وكيفية «التعامل مع مشاعرنا» فهما من أسباب نجاحنا في العلاقات والصداقات.