آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

الغضب وكظم الغيظ

إن الإنسان الطبيعي يمتلك غريزة الغضب وقد تكون صفة ضرورية في الحياة الإنسانية، وربما تتحول بسوء إدارتها إلى تدمير الحياة الأسرية والعملية وأحيانًا الشخصية لتجد صاحبها في مهاوي السجون لارتكابه جرائم تحت تأثير الغضب.

وقد يثير غضب الشخص التهديد له والكلام عليه بكلام سيء والتدخل في حياته وتحديه، فترى الشخص الهادئ أصبح منتقما ومواجهًا لفظًا ويدا.

ونشير هنا إلى أنه ليس كل غضب مذمومًا وقبيحًا فهناك الغضب الممدوح والذي يكون في الله ولله.

ولكن الغضب الشخصي إذا كان بسبب أمور بسيطة هو غضب مذموم كأن يصدم سيارتك شخص مشتت الفكر أو لقلة التفات فتغضب منه وتتجهز للمواجهة أو لسبب تافه تهدم حياتك الزوجية أو لنزاع بسيط تصل بك إلى القتل.

وقد تحدثت الروايات عن أن الغضب قبيح فهو جنون وندم وجمره من الشيطان ومثير للأحقاد وسبب للهلاك بل الغضب يجمع الشر كله، وعن الإمام علي : الغضب كوامن الحقد وقال «إياك والغضب فأوله جنون وآخره ندم».

ولكن في المقابل كظم الغيظ وقد قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة كظم معناها هو الإمساك والجمع للشيء ومن ذلك الكظم: اجتراع الغيظ والإمساك عن إبدائه وكأنه يجمعه في جوفه. قال تعالى ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ والكظوم: السكوت.

ولم يوصفهم سبحانه في الآية أنهم لا يغضبون وإنما يقول يكظمون الغيظ فهم يغضبون بمقتضى الطبيعة البشرية لامتلاكهم غريزة الغضب لكنهم يسيطرون على ذلك الغضب ويمسكونه ويحبسونه فنجد شرحها في آية أخرى ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ .

وقد جاء في الأمالي للصدوق صفحة 516 عن رسول الله ﷺ «من كظم غيظًا وهو قادر على إنفاذه وحلم عنه أعطاه الله أجر شهيد» وقد وصف إمامنا موسى بن جعفر بالكاظم وأصبحت لقبًا له بحيث لو أطلقت لا يكاد يتبادر للدهن سواه علمًا أن هذه الصفة موجودة في باقي الأئمة المعصومين ولكنها أصبحت للأمام الكاظم لقبا وكأنها خاصةً به.

وبقاء الإمام موسى بن جعفر وشيعته خارج دائرة المواجهة المباشرة مع السلطة العباسية التي كانت في أوج قوتها أيام ثلاثة من الخلفاء العباسيين الأقوياء وفي إبان شباب هذه الدولة ونشاطها كان من ثمرات سياسة كظم الغيظ وعدم الاستجابة للاستفزازات ولهذا طالت مدة الإمام موسى الكاظم نحو خمس وثلاثين سنة.

إذا ينبغي أن يكون كظم الغيظ هو البوصلة التي تحدد اتجاه التعامل بين الناس، بين الوالد وولده وبين الزوج وزوجته وبين رب العمل وعماله وهذه الطريقة لها الأثر الإيجابي في تصحيح العلاقات الإنسانية.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
على التاروتي
[ تاروت ]: 14 / 2 / 2022م - 3:01 م
جميل جداً
2
أحمد الخرمدي
14 / 2 / 2022م - 7:19 م
بارك الله فيك أخي أبا أحمد
موضوع رائع وهادف وإلى الأمام
3
زكريا ابو سرير
[ تاروت ]: 14 / 2 / 2022م - 7:28 م
مقال جميل، يحمل أبعاد إنسانية رائعة وإبعاد تربوية ، سلمت اناملك المباركة استاذ ابا أحمد.. دمتم موفقين ومباركين.
نائب رئيس لجنة العلاقات بجمعية تاروت الخيرية