الفنان محمد الحمران وروح العطاء
تناقلت أصوات وتسائل البعض عن أسباب اقامة فعالية متنوعة ومعرض استعادي للفنان الراحل محمد الحمران، لماذا حظي بهذا الزخم من التكريم دون غيره، في حين هناك فنانون رحلوا قبله من أبناء القطيف لم يحضوا بمثله.
إن الفعالية التكريمية التي حملت عنوانا، «حلم لم يكتمل» والتي سلطت الاضواء على مجمل محطات محمد الحمران وتحولاته الفنية سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي وكذا انجازاته المتعددة، تحيلنا إلى أمور عدة من وراء هذا التكريم.
يعتبر الفنان محمد هلال الحمران أحد الاشخاص المؤسسين لجماعة الفنون التشكيلية بالقطيف عام 1995، وشغل اول سكرتير لنادي الفنون المنبثق منه اربع جماعات، التشكيل، والتصوير والخط العربي، والمسرح.
وبعد توالي أربع شخصيات من الفنانين على رئاسة الجماعة بدءا من علي الصفار وبعده زمان جاسم، ومحمد المصلي، وبشار الشواف، استلم الرئاىسة محمد الحمران لمدة أربع سنوات من عام 2010-2013، قادها بكل تألق واقتدار - هناك صور وفيديوهات تبرز حجم الانشطة التي قام بها -، وقد أُقيم حفل تكريمي له ولزوجته على مسرح الخدمة الاجتماعية مباشرة بعد انتهاء رئاسته نظير جهود الجبارة التي قدمها، ثم أتى من بعده الفنان سعيد الجيراني، وحين انتهت رئاسة الأخير أصبح فراغا طال زمنه، لم يتصد للجماعة أي أحد سوى الحمران نفسه بعد عزوف الكل عن تحمل المسؤولية، عاد مرة أخرى رئيسا، يعني حسابيا قاد اداراة الجماعة لفترتين منفصلتين، مجموعها 6 سنوات، والتي يفترض أن تكون 8 إلا إن اشتداد المرض حال بينه وبين اتمام السنتين فأوكل المهمة للنائب من بعده وهي الفنانة سعاد اوخيك.
وبين هذا وذاك هو شخصية فاعلة ومؤثرة وقريب وجدانيا ونفسيا من الجميع، فقد أعطى جلّ وقته وبذل الغالي والنفيس في سبيل استمرارية الجماعة ورقيها ورفعة مكانتها، والكل يشهد له بذلك، فلزاما على القيمين في الجماعة أن تكرمه سواء حيا أو راحلا، نظير ما بذله وقدمه من خدمات جليلة، فقلبه كان ينبض بحب الجماعة بعدا وقربا، حتى وهو على فراش المرض وفي أيامه الأخيرة كان يسأل عن أخبار الجماعة ويقول: ”طمنوني على النشاطات المرتقبة وما الأخبار، وماذا عن وضع الصالة الجديدة“، بهذه النفسية العالية كيف لا يكرم، وكانت في الأساس الخطة معدة سلفا بعد رحلة علاجه، إلى حين تماثله للشفاء، لكن ارادة الله فوق كل شيء، وبعد أن فاضت روحه إلى بارئها صبيحة يوم الاثنين 2021/7/12، تصدى الأصدقاء والأصحاب من فنانين وفنانات لاقامة احتفائية وفائية، ايمانا منهم بمكانته المؤثرة في مسيرة الجماعة، وأثره الفعال في رسم أهدافها والدور الكبير الذي قدمه لكل أعضاء الجماعة سواء بسواء، فضلا عن تشجيعه للكثيرين أو اكتشافه لمواهب واعدة ودعوتها للانخراط في نادي الفنون.
وتوجد شهادات موثقة وضعت في صفحات الكتيب الذي صدر بمناسبة تكريمه «حلم لم بكتمل»، بعنوان ”نبض المشاعر“ كلها فاضت بصدق الكلمات ورقة المعاني والأحاسيس. أتت من أصدقاء داخل المملكة من القطيف وجدة، وخارجها من مصر وعمان.
وثمة شهادة مستحدثة وردت قبل يومين لم تدون في الكتيب، للأخ الفنان والشاعر حاتم الصفار حيث يقول: ”لأبي قاسم الفضل الكبير علي شخصيا فيما يخص تواجدي وتعلقي بالجماعة، وفي تكليفي بمناصب ادارية في نادي الفنون، كان أبو قاسم بمثابة أخي فقد أخذ بيدي، ورشحني وشجعني على تحمل المسؤولية، وكان الداعم الأول لي في هذه المسيرة وهو أمر لن أنساه أبدا ما حييت، في الوقت الذي كنت أرى تفانية في كل صغيرة وكبيرة وتفاني الأساتذة والرموز الكبار أمثال أبو هشام علوي الخباز ومحمد المصلي وعبد العظيم شلي وزمان جاسم، جعلوني أنخرط في العمل الدؤوب خدمة لمصلحة النادي، وأبو قاسم أعتبره المحفز لي، لشخص جديد مثلي على هذا التجمع الجميل، بأن بذلت كل ما بوسعي لخدمه المجتمع ورفعة هذا الصرح الكبير، نعم أبو قاسم كان هو من رسم لي الحلم وهو من أبان الصورة الرائعة بخلقه وحسن تعامله، وأخوته الحميمية ونفسيته البسيطة سهلة التعامل، هو من أتاح لي الفرصه وزرع في الثقة، كان دائما يحفزني للمضي قدما وتحمل المشاق بكل رحابة صدر، كان المعلم والصديق والأخ. ما بوسعي بعد رحيله إلا الدعاء له، بأن يجعل قبره روضه من رياض الجنه وأن يجمعه مع محمد وآله الطيبين الأطهار“.
وهناك شهادات وخواطر عديدة كتبها كثيرون من أعضاء جماعة الفن وزوار المعرض مسجلة في دفتر الزيارة لا يسع المجال لذكرها.
وللاصوات المتسائلة والمتعاطفة عن معنى ومضمون الاحتفاء، كل يستحق التكريم، وبالنيابة عن رئيس الجماعة د. كميل المصلي وكل أعضاء مجلس ادارته الحالي، نوضح الآتي:
لدى جماعة الفن التشكيلي خطة طموحة لتكريم شخصيات عديدة، سواء من الأحياء أو الراحلين.
وقد يتبادر للبعض بأن الجماعة تحتفي فقط بالأموات، هذا ليس صحيحا فقد سبق للجماعة أن كرمت الأستاذة الفنانة المصرية سهير الجوهري أم الفنانات، وهي على وشك سفرها إلى بلادها والتي تعتبر مؤسسة الحركة التشكيلية النسائية في القطيف، وقبل ذلك كرمت الفنان علي الصفار وأطلقت عليه عميد الفنانين لمكانته الفنية، وكرمت الأب الروحي للجماعة وأطلقت على الصالة الجديدة باسمه «صالة علوي الخباز»،
وبعيدا عن جلال التكريم تبنت الجماعة مواقف انسانية نبيلة تحسب في تاريخها، منها معرض تضامني مع كارثة حريق القديح ومأساة سيول جدة، ومشاركتها في يوم المسنين، وغيرها من الأنشطة الوطنية.
الجماعة تحمل على عاتقها ليس الأبعاد الفنية والجمالية فحسب إنما لديها أهداف اجتماعية وانسانية. وغدا بإذن الله سوف تكرم من رحلوا وأيضا من هم على قيد الحياة.
واحتفائية محمد هلال الحمران هي رد الجميل لأسرته التي أعانته وسهلت من مهامه ليخدم الجميع، وأيضا استذكارا لسجاياه وذكر محاسنه، لأن جماعة الفن التشكيلي سكنت روحه، فهو نبع عطاء.
وأثناء الإحتفائية تفاعلت فنانتان هما منى السيهاتي وسعدية آل حمود، وابن أخ الفنان أحمد الحمران في رسم بورتريهات محبة تبرز ملامح الفنان مبتسما، علقت في صدر المعرض، هي ملامحه الصافية المنعكسة من داخل سريرته، ترسل بطاقات شكر لكل من حضر وتفاعل وأنجز، وباقات ورد أرسلها المحبون فاح أريجها في أرجاء المعرض.
يا راحلا عنا..
أنت مضيء بين العتمة والغياب، مطل بإشراقة صباح، ابتسامتك رضا ومحبة ورسائل شكر، لكل الأوفياء، الذين بذلوا كل ما بسوعهم لإقامة تكريمك الثاني الذي فاق الأول وأثلج الصدور. كلمات إمتنان تشع من نظراتك، موجهة لكل القلوب العطوفة والأنفس المخلصة ولكل من ساهم في انجاح حلمك الذي سيكتمل بتكاتفنا وتعاوننا وتآخينا بفعاليات وفعاليات قادمة. فكلما فرغنا من انجاز سنذكرك ولن ننساك، فقد كنت للإخلاص عنوانا.
وقد انشد حاتم الصفار هذه الابيات قبل أيام: "
إني حضرتُ لحفلكم مُتبسِّما
حتى أودعَ جَمعكم وأُسلما
.
حفلٌ لهُ حضرَ الوفاءُ مباركًا
فبفعلكم ذُهلَ الوفاءُ وأُلهما
.
يشدو بكم كي ما يعرِّفَ فضلكم
فوفائكم للناسِ أضحى مَعْلما
.
شكري لكم ليس الكلامُ يحيطهُ
فالنجمُ ليسَ تحيطهُ برجُ السما ".
وهذا المساء هو اليوم الأخير، 13 فبراير 2022 سوف يسدل ستار لاحتفائية ”حلم لم يكتمل“ ولكن الحفل البهيج سوف يبقى أثره وصداه لسنين محفورا في ذاكرة التاريخ والأنفس الوفية.
وفي الختام، سلام على كل روح وهبت للجمال حسنا وأشاعت الفن وجودا.